السلام عليكم عليكم ورحمة الله وبركاته ما ردكم على من ينكر وجود النار بعد الحساب كقول جماعة شهود يهوه انه بعد الحساب اما حياة ابدية للمؤمنين أتباع يهوه واما موت لغيرهم وهذا هو جزاؤهم, وحجتهم في ذلك هو عدل يهوه اذ من غير العدل حسب زعمهم ان يخلِّد الله في النار من عاش ستون عاما في الدنيا عاصيا لله او كافراً به, فمن منطلق القول برحمة الله الواسعة كيف يعذب الله من عاش هذا الزمن القليل في الدنيا بنارٍ ابدية ؟ او مثلا المسلم العاصي, كيف يعذبه الله في جهنم بسبب ارتكابه ذنب لا يستحق في هذه الدنيا الا جزاءً بسيطا مثل السارق قطع يده, فكيف يعذبه الله في النار بسبب ذنب ارتكبه؟ وهذا يعني ان القانون الدنيوي اعدل من القانون الأخروي حسب ادعائهم. وجزاكم الله خير
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
الصحيح أن العقل دل على المعاد والثواب و العقاب، أما مدة ذلك وخلوده أو عدمه فليس مما للعقل فيه سلطان بنفي ولا إثبات. ولما كان ذلك كذلك، تبين أنه لا يعلم مثل هذا إلا عن طريق السمع، فوجب طلبه من خبر النبي الصادق عن صاحب الشأن ورب الخلائق. ولما كان دين الإسلام هو الدين الظاهرة حجته والذي لا يتناقض في أصله وأركانه مع بدائه العقول وأوائل الحس، علمنا أن طلب العلم بتفاصيل الثواب والعقاب لا يكون إلا منه.
أما الأدلة على أن دين الإسلام دون سواه من الأديان هو الذي لا يتناقض في أصله وأركانه مع كليات العقول فذلك أوضح من الشمس في كبد السماء في ظهر يوم صائف لا غمام فيه. كذلك، فإن الحجة الظاهرة هي لذلك الدين، فأين التثليث من التوحيد وأين عبادة الأحجار والأوثان من عبادة الواحد الديان، وأين القول بالبداء عند من زعموا أنه سبحانه ندم على خلق الخلق لما رأى كفر قوم نوح وإعراضهم من اعتقاد المسلم في علم الله السابق المحيط بكل شيء وتمام حكمته. إن بيان دعوانا هذه على ظهور حجة هذا الدين تجده مفصلا أتم تفصيل في كتب علمائنا في الرد على أهل الكتاب وغيرهم من أهل الملل، وليس يتسع المقام هنا لسردها.
وإذ تبين أن تفصيل القول في الثواب والعقاب مما يطلب من الخبر الصادق، وأن الوحي الباقي من غير تحريف والصحيحة نسبته إلى السماء هو ما أنزل على محمد – صلى الله عليه وسلم – في القرآن وأوحي إليه في السنة، فاعلم أن أخبارهما في حق خلود النار قد اختلف في تأويلها فعامة أهل السنة على إثبات خلودها استدلالا بالأخبار القاضية بذلك، وذهب جماعة إلى فنائها مستدلين بأخبار أخرى أو بذات أدلة الفريق الأول. أما توجيه القول بخلودهم فلكونهم كانوا عازمين على البقاء كفارًا بلا انقطاع، ولم ينقطع كفرهم إلا بإهلاك الله لهم. ولما كانت العقوبة تناسب الجريمة، فإن جريمة الكفر بمن خلق ورزق ودل الناس عليه وأقام معالم الطريق إليه ناسب أن تكون في الغاية من الشدة. أما الاحتجاج بعدم مناسبة قصر زمان الجريمة لطول زمان العقوبة فمردود بسجن القاتل في أكثر البلاد مدى الحياة أو مددا مديدة، وقد وقعت منه الجريمة في ثوان قد يكون استبد به فيها الشيطان أو داعي الغضب أو الطمع أو غير ذلك. أضف إلى ذلك أنه لا يحصل انزجار الناس عن الآثام إلا بخوفهم من عقوبة لا تنقضي وعذاب لا ينتهي.
أما القول بفناء النار فقد أثر عن بعض السلف وهم: عمر وابن مسعود وعبد الله بن عمرو وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري وابن عباس رضي الله عنهم والشعبي وإبراهيم وابن زيد وغيرهم من السلف رحمهم الله. وقد حكى ذلك عنهم ابن جرير الطبري في تفسيره وابن القيم في حادي الأرواح والسيوطي في الدر المنثور وغيرهم. ولكن هذه الروايات منها ما لا يصح ومنها ما يؤول على كونه في حق نار عصاة الموحدين. وقد حكى العلامة ابن القيم القول بفناء النار عن شيخ الإسلام ابن تيمية، وإن كانت للأخير كذلك عبارات واضحة في كتبه بتقرير خلودها. أما ابن القيم فله قولان، المفصل منهما ينتصر فيه لفناء النار.
والحاصل أن المسلمين قد أجمعوا واتفقت كلمتهم على عدم فناء الجنة وبقائها إلى الأبد، ولم يشذ عن ذلك منهم أحد. أما النار، فإنه وإن اتفقت الجماهير الساحقة من أهل السنة على عدم فنائها، لكن ورود الخلاف والاحتمال الحاصل عن تأويل بعض الآيات والآثار يمنع من تضليل القائل بخلاف ذلك.
وعلى ذلك، فلا أرى أن هذه المسألة مما يصدر في أولويات الحديث والمناظرة مع غير المسلمين كون الخلاف حولها وقع بين المسلمين أنفسهم، بل أزيد على ذلك فأقول إن مجرد ذكر هذا الخلاف الواقع بين المسلمين من غير تقرير للقول بفناء النار لمما يفيد – فيما سمعنا وجربنا – في محاورة وإقناع الخصم، بل وهدايته إلى دين الله، فقد تعجز إدراكات بعض البشر عن الإحاطة بتمام حكم الرب جل في علاه، فوجب عندئذ الترفق بهم وإيجاد المخارج لهم ودفع الحرج عنهم، فما ضرك أن يسلم أحدهم معتقدًا بفناء النار، ثم ما يلبث أن تمتد في قلبه جذور إيمانه ويستقيم فيه عوده فينشرح صدره لقبول مذهب عامة أهل السنة في خلودها. وإن كانت الأخرى فبقي على ما اعتقده في أول الأمر، فما ضرك أن رجلا قد صار يوحد الله ربنا ويتبع الرسول نبينا ويستقبل الكعبة قبلتنا وهو باق على اعتقاده بفناء النار.
والله تعالى أعلى وأعلم.