ما حكم إطلاع الطلاب والطالبات على عورات المرضى من الجنسين بغرض التعليم ؟ وما الضابط الشرعي في هذه المسألة؟
التوضيح: يقوم الطبيب بإحضار المريض ويكشف المريض عن مكان المرض أمام الطلاب – وقد يكون الكشف على العورة المغلظة أو صدر المرأة أو غيره- ويقوم الطبيب بالكشف والفحص على المريض أمام الطلاب وتعليمهم كيفية الكشف والفحص ويقوم الطلاب أيضاً بالكشف على المريض وفحصه يدوياً ويصحح لهم الطبيب الأخطاء في كيفية الفحص. وفي أحيان كثيرة يكون هناك اختلاط بين الطلاب والطالبات أثناء الكشف والفحص وقد يكون هناك كشف ولمس للعورات المغلظة، فهل يجوز حضور أمثال هذه الدروس ، علماً بأن الطلاب سيسألون في امتحانهم آخر العام على هذه الحالات وطرق فحصها عملياً؟
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله. و بعد،
بدايةً، إليكم قرار مجمع الفقه التابع للمنظمة بشأن ضوابط مداواة الرجال للنساء و العكس:
“قرار رقم 12/8 العنوان مداوة الرجل للمرأة التاريخ : 1- 7 محرم 1414هـ الموافق 21- 27 يونيو 1993م المكان : بندر سيري بيجوان، بروناي دار السلام
تمهيد: إنَّ مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سيري بيجوان، بروناي دار السلام من 1- 7 محرم 1414هـ الموافق 21- 27 حزيران (يونيو) 1993م، بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع مداوة الرجل للمرأة، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله ، قرر ما يلي : القرار:
الأصل أنه إذا توافرت طبيبة متخصصة يجب أن تقوم بالكشف على المريضة وإذا لم يتوافر ذلك فتقوم بذلك طبيبة غير مسلمة ثقة، فإن لم يتوافر ذلك يقوم به طبيب مسلم، وإن لم يتوافر طبيب مسلم يمكن أن يقوم مقامه طبيب غير مسلم . على أن يطّلع من جسم المرأة على قدر الحاجة في تشخيص المرض ومداواته وألا يزيد عن ذلك وأن يغض الطرف قدر استطاعته، وأن تتم معالجة الطبيب للمرأة هذه بحضور محرم أو زوج أو امرأة ثقة خشية الخلوة .
ويوصي بما يلي : أن تولي السلطات الصحية جُلَّ جهدها لتشجيع النساء على الانخراط في مجال العلوم الطبية والتخصص في كل فروعها، وخاصة أمراض النساء والتوليد، نظراً لندرة النساء في هذه التخصصات الطبية، حتى لا نضطر إلى قاعدة الاستثناء. و الله الموفق “
أقول: الفحص الطبي هو ذلك الكشف الذي يجريه الطبيب بغرض التعرف على علة المريض وتشخيص مرضه ، أو في حالة الفحوص الدورية للتأكد من سلامة الشخص . وهذا الفحص الطبي يسبق بأخذ القصة المرضية ( history ) من المريض و/ أو وليه، ويتبعه عند الحاجة الفحص المخبري ( Laboratory tests ) و / أو التصوير الشعاعي ( Radiological Exam ) و / أو غيرها من وسائل استكمال الفحص.
والفحص الطبي جائز باتفاق من المرأة للرجل عند الحاجة أو الضرورة – لما جاء من الأحاديث في مداواة النساء على عهده r للرجال.
عن أم عطية الأنصارية قالت: “غزوت مع رسول الله r سبع غزوات أخلفهم في رحالهم فأصنع لهم الطعام وأداوي الجرحى وأقوم على المرضى “[i]
وكذلك تجوز مداواة الرجل للمرأة – للحاجة أو الضرورة – مع مراعاة الترتيب الآتي كما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي أعلاه.
و الذي يظهر أن هذا الترتيب يجري أيضاً على مداواة المرأة للرجل وجاء في الموسوعة الفقهية: ” ويجوز للطبيبة أن تنظر وتمس من المريض ما تدعو الحاجة الملجئة إلى نظره وحسه إن لم يوجد طبيب يقوم بمداواة المريض “[ii]
أما و قد ظهر جواز تطبيب الرجال للنساء و العكس، فإن التعليم من لازم ذلك و ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب على أن تراعى الضوابط و يقتصد في كشف العورات. و لكن طالب
الطب لا يقدر على فرض هذه الضوابط، فليتق الله ما استطاع و لا يحملنه فساد أحوال الناس على ترك تعلم الطب فإن الحرج[iii] في شريعتنا مرفوع سيما إن كان عاماً[iv] مثل حالتنا هذه.
ويجدر هنا أن نذكر كلاماً للإمام الشاطبي يمس عين قضيتنا هذه وكأنه ينظر إلى أهل زماننا، قال – رحمه الله -: ” الأمور الضرورية أو غيرها من الحاجية أو التكميلية إذا اكتنفها من خارج أمور لا تُرْضَى شرعاً فإن الإقدام على جلب المصالح صحيح على شرط التحفظ بحسب الاستطاعة من غير حرج، كالنكاح الذي يلزمه طلب قوت العيال مع ضيق طرق الحلال واتساع أوجه الحرام الشبهات، وكثيراً ما يلجأ إلى الدخول في الاكتساب لهم بما لا يجوز، ولكنه غير مانع لما يؤول إليه التحرز من المفسدة المربية على توقع مفسدة التعرض؛ ولو اعتبر مثل هذا في النكاح في مثل زماننا لأدى إلى إبطال أصله، وذلك غير صحيح. وكذلك طلب العلم إذا كان في طريقه مناكر يسمعها ويراها، وشهود الجنائز وإقامة وظائف شرعية إذا لم يقدر على إقامتها إلا بمشاهدة ما لا يرتضى، فلا يخرج هذا العارض تلك الأمور عن أصولها، لأنها أصول الدين وقواعد المصالح وهو المفهوم من مقاصد الشارع.”[v]
و الله تعالى أعلم و به التوفيق.
[i] مسلم :كتاب الجهاد والسير، باب النساء الغازيات يرضخ لهن… جـ 3 ص 1447 برقم 1812.
[ii] الموسوعة الفقهية: 37/286. وانظر غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب 2/21 والتجريد لنفع العبيد 3/328
[iii] الحرج هو: ” ما أوقع على العبد مشقة زائدة عن المعتاد على بدنه أو على نفسه أو عليهما معاً حالاً أو مآلاً غير معارض بما هو أشد منه أو بما يتعلق به حق للغير مساو له أو أكثر منه “.
من رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، للدكتور يعقوب الباحسين، ص 38.
[iv] انظر المواففات: 2/121. وكذلك فإن الحاجة – سيما إن كانت عامة – تنزل منزلة الضرورة . انظر الأشباه والنظائر للسيوطي ص 88؛ و الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية، للبورنو، ص 242.
[v] الموافقات: للشاطبي 4/152