ما الضابط الشرعي لكشف الطبيب على المرأة في العيادة أو المستشفى خاصة أن كثيراً من المريضات يأتين المستشفى بلا محرم؟
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله. أما بعد،
الخلوة بالأجنبية محرمة اتفاقاً – على خلاف فيما تتحقق و ما تندفع به، – و ذلك لقوله r: ” ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان”
و الحق أن الأطباء يواجهون هذه القضية بصفة يومية، فإن طبيب الأطفال مثلاً قد يخلو بأم الرضيع – الذي لا أثر لوجوده على حكم الخلوة – و لا سبيل في أكثر الأحوال لأن يطلب مرافقة إحدى العاملات أو أحد العاملين له كلما فحص طفلاً، وكذلك فإن السرية – و هي من أساسيات العمل الطبي في الغرب – تقتضي إغلاق الباب عند أخذ التاريخ المرضي و الفحص. و لكن الطبيب في هذه الحالة لا يأمن أن يفتح أحد العاملين الباب؛ و في الفروع لابن مفلح – رحمه الله – عن الإمام أحمد – رحمه الله -: ” وقد سأله المَرّوذِي عن الكحال يخلو بالمرأة وقد انصرف من عنده: هل هي منهي عنها ؟ قال : أليس هي على ظهر الطريق ؟ قيل : نعم، قال : إنما الخلوة في البيوت.”
و هذا الكلام من الإمام أحمد – رحمه الله – قد يكون مفيداً في حالتنا إذا كان المقصود من كون الكحال على ظهر الطريق كثرة الداخل إلى دكانه و الخارج منه ، أما إن كان لا دكان له بل يعالج الناس في الطريق حقًا فإن استعمال المروذي – رحمه الله – للفظ الخلوة إذاً كان فيه تجوز ولعله إذًا أراد خلوة الحديث.
و في درر الحكام: “الخلوة … المراد بها اجتماعهما بحيث لا يكون معهما عاقل في مكان لا يطلع عليهما أحد بغير إذنهما أو لا يطلع عليهما أحد لظلمة.” و الواضح من التعريف أن عدم أمن دخول عاقل جزء من ماهية الخلوة الشرعية.
و إن أكثر ما يكون من خلوة في المجال الطبي لا يؤمن معه دخول أحد العاملين بالفريق الطبي، و لذلك فإن حصول الوطء – و هو المخوف عند الخلوة – أمر ممتنع طبعًا و عرفًا. و قد سألت عن هذا فضيلة الشيخ وهبة الزحيلي في جمع غفير من علماء مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا فأقر ما ذهبت إليه من عدم انطباق الخلوة الشرعية المحرمة على وجود الطبيب مع المريضة في غرفة الفحص التي لا يؤمن من دخول ثالث فيها في أي وقت.
يبقى أن يقال أنه متى استطاع الطبيب توفير ثالث/ثالثة في الغرفة و لو خلف ستار، فإنه الأفضل و الأورع و الأولى والأقرب للسلامة و الأبعد عن الفتنة.
و الله تعالى أعلم و به التوفيق.