السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هل الاناشيد الدينيه المنشوده دون موسيقى مثل اناشيد الشيخ مشارى العفاسى كثرة سماعها حلال ام حرام واد اعرف حضرتك انها تؤثر بى بشكل كبير جدا جدا. وجزاك الله خيرا
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
إذا كانت الأناشيد مباحة معانيها ومن غير امرأة يفتن الرجال صوتها أو نظرهم إليها (فإن كانت بين نساء فلا بأس)، وخلت من التكسر والتثني والتخنث والتشبه بنغمات الأغاني الماجنة، فلا يكاد السامع يستفيد منها إلا التلذذ برخامة الأصوات وحسن الألحان، فلا يلتفت إلى المعاني ولا تهيجه على فعل خير أو ترك شر، وكذلك إن خلت من المعازف سوى الدف والقضيب ونحوه، فلا بأس عندها بسماعها وإنشادها في كل الأوقات ومن الرجال والنساء (فيما بينهن، أو عند أمن الفتنة في أحوال خاصة نادرة)، على الصحيح، خلافًا لمن قيد ضرب الدف من أهل العلم بالأفراح وبالنساء دون الرجال. وذلك لما صح من أن جارية سوداء جاءت إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقالت: “يا رسول الله إني كنت نذرت إن ردك الله صالحا أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى”، قال لها: “إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا”. وهذا بالطبع متى لم يصرف السماع عن طاعة واجبة.
فإن صده السماع عن طلب المقاصد العالية كتلاوة القرآن وتدبره وتعليم العلم وتعلمه وشهود الجماعات والسعي في قضاء الحاجات فالكراهة ظاهرة.
فإن سمعها لمقصود حسن ومن غير إسراف، فيرجى أن يثاب على حسن قصده وإن كان إجمام القلب لمواصلة الطاعة، ولقد نقل ابن تيمية – رحمه الله – في الفتاوى عن أبي الدرداء – رضي الله عنه – قوله: “إنِّي لأستجمُّ نفسي بالشَّيء من الباطل [ما لا نفع فيه] لأستعين به على الحق”
إن أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كما روى ابن أبي شيبة – رحمه الله – عن أبي سلمة – رحمه الله -“لم يكونوا منحرفين ولا متماوتين وكانوا يتناشدون الشعر في مجالسهم ويذكرون أمر جاهليتهم، فإذا أريد أحدهم على شيء من دينه دارت حماليق عينيه كأنه مجنون.” وقد ورد إنشادهم – رضي الله عنهم – جماعات ووحدانا كما في بناء المسجد وحفر الخندق والمسير إلى الجهاد وغيره.
ولقد أذن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لحسان – رضي الله عنه – بالإنشاد في حضرته الزكية كما هو معروف ولعامر بن الأكوع – رضي الله عنه – كما روى البخاري عن سلمة بن الأكوع – رضي الله عنه – قال: “خَرَجْنَا مع النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى خَيْبَرَ فقال رَجُلٌ من الْقَوْمِ أي عَامِرُ لو أَسْمَعْتَنَا من هناتك فَنَزَلَ يَحْدُو بِهِمْ يُذَكِّرُ: “تَاللَّهِ لَوْلَا الله ما اهْتَدَيْنَا”…قال رسول اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – من هذا السَّائِقُ قالوا عَامِرُ بن الْأَكْوَعِ قال يَرْحَمُهُ الله [يشير إلى دنو أجله] فقال رَجُلٌ من الْقَوْمِ يا رَسُولَ اللَّهِ لَوْلا مَتَّعْتَنَا بِهِ فلما صَافَّ الْقَوْمَ قَاتَلُوهُمْ فَأُصِيبَ عَامِرٌ بِقَائِمَةِ سَيْفِ نَفْسِهِ فَمَاتَ…”
ولا بأس بحسن الصوت وتحسينه ما لم يكن ثم تكسر وتثن، ففي مسند أحمد عن أنسِ بن مالكٍ أن حَادِيًا للنبي – صلى الله عليه وسلم – كان يُقَالُ له أَنْجَشَةُ؛ قال: وكان حَسَنَ الصَّوْتِ. قال: فقال النبي – صلى الله عليه وسلم –: رُوَيْدَكَ يا أَنْجَشَةُ لاَ تَكْسِرِ الْقَوَارِيرَ. قال قَتَادَةُ: يعني ضَعَفَةَ النِّسَاءِ.” وذلك لأن الإبل كانت تتفاعل مع حدائه فيشتد سيرها.
والمنشد المذكور، الشيخ مشاري العفاسي، نحسبه من أهل الصلاح وطلبة العلم وممن يتخير أطايب الشعر في إنشاده، وقد سمعت طرفًا من ذلك فلم أجد في شيء مما سمعت حرجًا، ولعل فيه من المعاني ما يجم القلوب ويهيج الصالحين إلى الخير، وهو كذلك حافظ لكتاب الله ومن قرائه، فلا تحرم نفسك من تلاوته، وليكن سماعك لها أكثر من سماعك لإنشاده، فالقرآن كلام ربنا المعجز، وهو شفاء لما في الصدور، وبه تطمئن النفس ويقوى الإيمان.
ولقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة بالسعودية ما يأتي: “يجوز لك أن تستعيض عن هذه الأغاني بأناشيد إسلامية، فيها من الحِكَم والمواعظ والعِبَر ما يثير الحماس والغيرة على الدين، ويهُزُّ العواطف الإسلامية، وينفر من الشر ودواعيه، لتَبعَثَ نفسَ من يُنشِدُها ومن يسمعُها إلى طاعة الله، وتُنَفِّر من معصيته تعالى، وتَعَدِّي حدوده، إلى الاحتماءِ بحِمَى شَرعِهِ، والجهادِ في سبيله. لكن لا يتخذ من ذلك وِرْداً لنفسه يلتزمُه، وعادةً يستمر عليها، بل يكون ذلك في الفينة بعد الفينة، عند وجود مناسباتٍ ودواعيَ تدعو إليه، كالأعراس والأسفار للجهاد ونحوه، وعند فتور الهمم، لإثارة النفس والنهوض بها إلى فعل الخير، وعند نزوع النفس إلى الشر وجموحها، لردعها عنه وتـنفيرها منه. وخيرٌ من ذلك أن يتخذ لنفسه حزباً من القرآن يتلوه، ووِرداً من الأذكار النبوية الثابتة،
فإن ذلك أزكَى للنفس، وأطهر، وأقوى في شرح الصدر، وطُمأنينة القلب. قال تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ
وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) [ الزمر : 23 ]، وقال سبحانه: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ * الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) [ الرعد : 28 ، 29 ]. وقد كان دَيدَن الصحابة وشأنهم رضي الله عنهم العناية بالكتاب والسنة حفظاً ودِراسةً وعملاً، ومع ذلك كانت لهم أناشيد وحداء يترنمون به في مثل حفرِ الخندق، وبناء المساجد، وفي سيرهم إلى الجهاد، ونحو ذلك من المناسبات، دون أن يجعلوه شعارهم، ويعيروه جلّ همهم وعنايتهم، لكنه مما يروحون به عن أنفسهم، ويهيجون به مشاعرهم) انتهى كلامهم.
ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد — كلا طرفي قصد الأمور ذميم
والله تعالى أعلم