أحكام النسب
شرح لبنود وثيقة الأحوال الشخصية لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا
حاتم الحاج
1/24/2012 — 01/03/1433
مقدم إلى المؤتمر السنوي الثامن لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا لسنة 1433 ه 2012 م
فهرس
- مواد الوثيقة بشأن النسب..
- أحكــــــــام عامـــــة.
- تعريف النسب وأدلة ثبوته.
- حرص الإسلام على إثبات نسبٍ صحيح لكل مولود
- أدلة ثبوت النسب في الإسلام
- ثبوت النسب بالفراش:
- الفراش سبب في ثبوت النسب ودليل عليه وهو الأصل.
- أقل الحمل.
- أكثر الحمل.
- ثبوت النسب بالاستلحاق:
- الاستلحاق وولد الزنا
- ثبوت النسب بالبينة.
- التعريف بالبصمة الوراثية.
- حكم اعتماد البصمة الوراثية كدليل على ثبوت الأبوة أو نفيها
- نفي النسب باللـعان:
- البصمة الوراثية ونفي الوالد لولده
مواد الوثيقة بشأن النسب
أحكــــــــام عامـــــة:
النسب لحمة شرعية بين الأب وولده تنتقل من السلف إلى الخلف، وحفظه من مقاصد الشريعة، تعميرًا للأرض، وتواصلاً للأجيال، وصلة للارحام، وتحقيقًا لهذا المقْصِد قَصَرَ الإسلام الزواج المشروع على ما يكون بين رجل وامرأة، وحَرَّمَ كل صور اللقاء خارج هذا الإطار، كما حَرَّمَ العلاقات الشاذة التي لا تؤدّي إلى الإنجاب، ولم يُجِزْ تنظيم النسل إلا بموافقة الزوجين عند الحاجة إلى ذلك.
من التدابير الشرعية لنقاء الأنساب وصيانتها من الاختلاط: تحريم الزنا وقطع الذريعة إليه، وتشريع الأحكام الخاصة بالعِدَّةِ، وتحريم كَتْمَ ما في الأرحام، والتشوف إلى إثبات النسب، وتحريم جحده.
لا يثبت النسب إلا بالفراش، أو بالإقرار، أو بالبينة.
ثبوت النسب بالفراش:
أ ) الولد للفراش إذا مضى على عقد الزواج الصحيح أقل مدة الحمل، وهي ستة أشهر ولم يثبت عدم إمكان التلاقي بين الزوجين.
ب) يثبت نسب المولود في العقد الفاسد إذا ولد لأقل مدة الحمل من تاريخ الوطء، ومثله الوطء بشبهة.
أقل مدة الحمل ستة أشهر وأكثرها سنة قمرية.
ثبوت النسب بالاستلحاق:
الاستلحاق هو الإقرار ببنوة مجهول النسب، ويثبت به النسب ـ ولو في مرض الموت ـ بالشروط التالية:
1 ـ أهلية المقر، وتكون بالبلوغ والعقل والاختيار.
2 ـ أن يكون فارق السن بينهما يحتمل صدق الإقرار.
3 ـ أن يصدقه المقر له متى كان بالغًا عاقلًا.
إذا كان المقر امرأة متزوجة، أو معتدة، فلا يثبت نسب الولد من زوجها، إلا إذا صدقها، أو أقامت البينة على ذلك. ولم ينفه عنه بلعان أو يثبت عدم امكانية اللقاء.
إقرار مجهول النسب بالأبوة أو الأمومة، لا يثبت به النسب إلا إذا صدقه المقر عليه إذا كان بالغاً عاقلاً، أو قامت البينة على ذلك، وكان فارق السن يحتمل ذلك.
الإقرار بالنسب في غير البنوة، والأبوة، والأمومة، لا يسري على غير المقر إلا بتصديقه، أو إقامة البينة.
لا تسمع الدعوى من ورثة المقر بنفي النسب بعد ثبوته بالإقرار الصحيح.
ثبوت النسب بالبينة:
البصمة الوراثية (DNA): هي المادة الوراثية الموجودة في خلايا جميع الكائنات الحية، وهي التي تجعل كل كائن حي مختلفًا عن الآخرين.
استعمال البصمة الوراثية في مجال النسب لا بد أن يُحاط بمنتهى الحذر والحيطة والسرية، ولذلك لا بد أن تقدم النصوص والقواعد الشرعية على البصمة الوراثية.
يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات الآتية:
أ ـ حالات الاشتباه في المواليد في المستشفيات ومراكز رعاية الأطفال ونحوها، وكذا الاشتباه في أطفال الأنابيب.
ب ـ حالات ضياع الأطفال واختلاطهم، بسبب الحوادث أو الكوارث، أو الحروب، وتعذر معرفة أهلهم، أو وجود جثث لم يمكن التعرف على هويتها، أو بقصد التحقق من هويات أسرى الحروب والمفقودين.
جـ ـ حالات التنازع على مجهول النسب، سواء أكان التنازع على مجهول النسب بسبب انتفاء الأدلة أو تساويها، أم كان بسبب الاشتراك في وطء الشبهة ونحوه، مع عدم الإخلال بما جاء في المادة 117 من أن الولد للفراش.
لا يجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحة الأنساب الثابتة شرعاً، ويجب على الجهات المختصة منعه وفرض العقوبات الزاجرة، لأن في ذلك المنع حماية لأعراض الناس وصوناً لأنسابهم، ولا يجوز جعلها بديلا من اللعان في نفي النسب.
نفي النسب باللـعان:
اللعان أن يقسم الرجل أربع مرات بالله أنه صادق فيما رمى زوجته به من الزنا، وأن الولد الذى جاءت به ليس منه، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ويدرأ عن زوجته العذاب أن تقسم أربع مرات بالله إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين.
للرجل أن ينفي عنه نسب الولد باللعان خلال أسبوع من تاريخ الولادة أو العلم بها شريطة أن لا يكون قد اعترف بأبوته له صراحة أو ضمنا، كما لو هنأه أحد به فشكره، أو سكت ولم ينكر، أو مضت مدة يتمكن فيها من الإنكار، فلم يفعل بعد علمه بالولادة، وتقدم دعوى اللعان خلال أسبوعين من تاريخ العلم بالولادة.
يترتب على اللعان نفي نسب الولد عن الرجل، والتفريق النهائي بينه وبين زوجته مع تأبيد الحرمة بينهما.
يثبت نسب الولد ولو بعد الحكم بنفيه إذا أكذب الرجل نفسه.
لا يجوز شرعا الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب. ولا يجوز تقديمها على اللعان، لكن يجوز الاستعانة بالبصمة الوراثية كقرينة من القرائن التي قد تؤيد الزوج في طلبه اللعان، أو قد تدل على خلاف قوله فيكون مدعاة لعدوله عن اللعان.
أحكــــــــام عامـــــة
المادة رقم (1): النسب لحمة شرعية بين الأب وولده تنتقل من السلف إلى الخلف، وحفظه من مقاصد الشريعة، تعميرًا للأرض، وتواصلاً للأجيال، وصلة للارحام، وتحقيقًا لهذا المقْصِد قَصَرَ الإسلام الزواج المشروع على ما يكون بين رجل وامرأة، وحَرَّمَ كل صور اللقاء خارج هذا الإطار، كما حَرَّمَ العلاقات الشاذة التي لا تؤدّي إلى الإنجاب، ولم يُجِزْ تنظيم النسل إلا بموافقة الزوجين عند الحاجة إلى ذلك.
تعريف النسب
في اللغة: يأتي على معانٍ كثيرة ترجع كما قال ابن فارس إلى اتصال شيء بشيء([1]). والمعنى الذي يعنينا هو القرب، في «مختار الصحاح»: «نَسَب: النَّسَب واحد الأنساب والنِّسْبَة بكسر النون وضمها مثله.. وفلان يناسب فلانًا، فهو نسيبُه أي قريبُه»([2])
وفي الاصطلاح: لم يعرفوه لظهوره واكتفوا بذكر أسبابه، وعرفه بعض المعاصرين بأنه: «حالة حكمية إضافية بين شخص وآخر من حيث أن الشخص انفصل عن رحمِ امرأةٍ هي في عصمةِ زواجٍ شرعيٍ أو ملكٍ صحيحٍ ثابتين أو مُشبِهَين للثابت للذي يكون الحَبَل من مائه»([3])
المادة رقم (2): من التدابير الشرعية لنقاء الأنساب وصيانتها من الاختلاط: تحريم الزنا وقطع الذريعة إليه، وتشريع الأحكام الخاصة بالعِدَّةِ، وتحريم كَتْمَ ما في الأرحام، والتشوف إلى إثبات النسب، وتحريم جحده.
حرص الإسلام على إثبات نسبٍ صحيح لكل مولود
يعتبر الإسلام النسب حقًّا من حقوق الأولاد، ولذلك يلجأ عند اللبس إلى مثل الإقراع في إثبات النسب، ودليله ما رواه أبو داود عن زيد بن أرقم من إقراع علي بين ثلاثة نفر من أهل اليمن أتوا يختصمون إليه في ولد…»([4]) .
ولقد قال في هذا الشأن الإمام ابن القَيِّم – رحمه الله: «إنه إذا تعذرت القافة وأشكل الأمر عليها، كان المصير إلى القرعة أولى من ضياع نسب الولد وتركه هملا لا نسب له … وإذا كانت صالحة لتعيين الأملاك المطلقة وتعيين الرقيق من الحر وتعيين الزوجة من الأجنبية، فكيف لا تصلح لتعيين صاحب النسب من غيره، والمعلوم أن طرق حفظ الأنساب أوسع من طرق حفظ الأموال والشارع إلى ذلك أعظم تشوفًا»([5]).
تغليب الإسلام لجانب الإثبات في ثبوت النسب
من أجل حرص الإسلام على إثبات نسب لكل مولود فإنه يغلِّب جانب الإثبات، قال ابن مُفْلِح: «لأن النسب يحتاط لإثباته لا لنفيه»([6]). ثم قال: «ثبوت النسب مبني على التغليب وهو يثبت بمجرد الإمكان وإن لم يثبت الوطء ولا ينتفي لإمكان النفي»(2).
الإسلام حريص على ثبوت النسب الحقيقي
فهو لا يرقع الواقع على حساب الحقيقة([7]) ولذلك فإن الله تعالى يقول: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً﴾ [الأحزاب: 5]. ومن أجل ذلك شرع نفي الولد؛ بل يجب عليه أن يقذف امرأته وينفي ابنه إذا رآها تزني في طهر لم يطأها فيه. قال ابن قُدامة – رحمه الله: «فَصْلٌ والقذف على ثلاثة أضرب: واجب: وهو أن يرى امرأته تزني في طهر لم يطأها فيه، فإنه يلزمه اعتزالها حتى تنقضي عدتها، فإذا أتت بولد لستة أشهر من حين الزنا وأمكنه نفيه عنه لزمه قذفها ونفي ولدها، ولأن ذلك يجري مجرى اليقين في أن الولد من الزاني، فإذا لم ينفه لحقه الولد وورثه وورث أقاربه وورثوا منه ونظر إلى بناته وإخوته، وليس ذلك بجائز…»([8]).
أما جحود الثابت من الأنساب فشر بلية، وقد قال رسول الله عنه: “من ادَّعَى أَبًا في الْإِسْلَامِ غير أبيه يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أبيه فَالْجَنَّةُ عليه حَرَامٌ”.([9])
المادة رقم (3): لا يثبت النسب إلا بالفراش، أو بالإقرار، أو بالبينة.
أدلة ثبوت النسب في الإسلام
اعتنى الإسلام عناية عظيمة بحقوق الأولاد ومنها صيانة النسب بل جعل الفقهاء حفظ النسل والعِرض من الضروريات كما تقدم في مباحث عدة.
والإسلام حريص على إثبات نسب كل مولود وجعل لثبوت النسب أدلة اتفق الفقهاء على أكثرها وهي الفراش([10]) والبينة([11]) والإقرار([12]) والاستفاضة([13]) – على بعض خلافٍ في التفاصيل.
ثم إن الفقهاء اختلفوا في اعتماد القِيافة([14]) في إثبات النسب عند الاستلحاق والتنازع، فأنكرها الحنفية وذهبوا إلى نسبته إلى المتنازعين جميعًا([15]) وعمل بها الجمهور. ثم إن الجمهور عند العجز عن تحديد النسب بالقيافة يلجؤون إلى الإقراع أو تخيير الولد إذا كان بالغًا([16]).
ملحوظة: القيافة والإقراع يلجأ إليهما عند التنازع وليسا أدلة على ثبوت النسب ابتداءً.
والناظر في هذه الأدلة يرى أنها ليست كلها توقيفية بنص صريح، ولكن المقصود منها حصول غلبة الظن أن فلانًا ابن فلان، فإن أيًّا من هذه الأدلة لا يفيد اليقين، والعمل بها هو الحق، لأنها تفيد غلبة الظن مع تعذر حصول اليقين، والعقل يقتضي العمل بذلك وجاء الشرع بإقراره.
ثبوت النسب بالفراش
المادة رقم (4):
أ ) الولد للفراش إذا مضى على عقد الزواج الصحيح أقل مدة الحمل، وهي ستة أشهر ولم يثبت عدم إمكان التلاقي بين الزوجين.
ب) يثبت نسب المولود في العقد الفاسد إذا ولد لأقل مدة الحمل من تاريخ الوطء، ومثله الوطء بشبهة.
الفراش سبب في ثبوت النسب ودليل عليه وهو الأصل
لكن هذا الأصل ليس يسلم من بعض الاستثناءات.
لاشك أن الفراش السبب الرئيس في ثبوت النسب والدليل الأظهر عليه؛ قال رسول الله ﷺ: «الولد للفِراشِ ولِلْعاهِرِ الحَجَرُ»([17]). وعلى ذلك اتفق الفقهاء([18]).
ولكن هذا جعل كذلك لأن العَلاقة الزوجية قائمةٌ على الستر، فجعل الفراش وهو مظِنَّة الوطء مكانه الوطء الذي هو السبب الحقيقي لحصول الولد([19]). بيد أن الأمر ليس على إطلاقه، فإنه كذلك حتى يقوم دليل أقوى على أن الفراش لم يكن السبب في حصول الولد، والدليل على ذلك:
اتفاقهم على أنها لو جاءت بولد دون ستة أشهر من النكاح لم يحكم به للفراش([20]).
اتفاقهم على أن الصغير الذي لا يولد لمثله لا يلحق به الولد وإن كان زوجًا([21]).
شرع اللعان فيما شرع للانتفاء من الولد، والذي يجب الانتفاء منه على الزوج الذي يصل إلى قرب اليقين أنه ليس منه([22])وليست رؤية المرأة تزني شرطًا عند الحنفية والشافعية([23]).
وكذلك فإن الفراش يشترط له عند الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إمكان الدخول، وعند ابن تَيمِيَّة يشترط الدخول، وهي رواية عن أحمد([24]).
تبين من كل ما تقدم أن الفراش دليل على ثبوت النسب إلا إذا امتنع عقلًا أو حسًا، أو دل دليل أقوى على أنه لم يكن السبب الحقيقي في حصول الولد.
المادة رقم (5): أقل مدة الحمل ستة أشهر وأكثرها سنة قمرية.
أقل الحمل
اتفق الفقهاء – رحمهم الله – على أن أقل الحمل ستة أشهر. وفي الطب الحديث أنه يمكن أن يكون دون ذلك، فما وجه التوفيق؟
أقوال السادة الفقهاء
اتفق الفقهاء -رحمهم الله- على أن أقل الحمل ستة أشهر، وبه قال الحنفية([25]) والمالكية([26]) والشافعية([27]) والحنابلة([28]) والظاهرية([29]) ونقل غير واحد عليه الاتفاق([30]). ودليلهم:
1- قوله تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأحقاف: 15]. وقوله: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [البقرة: 233].
قال الماوَرْدِيّ – رحمه الله: «فأما مدة أقل الحمل الذي يعيش بعد الولادة فستة أشهر استنباطا من نص وانعقادا من إجماع واعتبارا بوجود. أما استنباط النص، فقول الله ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً ﴾، فجعلها مدة للحمل ولفصال الرضاع، ولا تخلو هذه المدة من أربعة أحوال: إما أن تكون جامعة لأقلهما أو لأكثرهما أو لأكثر الحمل وأقل الرضاع أو لأقل الحمل وأكثر الرضاع. فلم يجز أن تكون جامعة لأقلهما لأن أقل الرضاع غير محدد؛ ولم يجز أن تكون جامعة لأكثرهما لزيادتهما على هذه المدة؛ ولم يجز أن تكون جامعة لأكثر الحمل وأقل الرضاع لأن أقله غير محدد؛ فلم يبق إلا أنها جامعة لأقل الحمل وأكثر الرضاع ثم ثبت أن أكثر الرضاع حولان لقول الله ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾فعلم أن الباقي وهو ستة أشهر مدة أقل الحمل»([31]) .
2- الإجماع.
قال الماوَرْدِيّ – رحمه الله: «وأما انعقاد الإجماع فما روي أن رجلًا تزوج امرأة على عهد عثمان – رضي الله عنه – فولدت لستة أشهر فرافعها إليه، فهم عثمان برجمهما فقال له ابن عباس إن خاصمتك المرأة خصمتك بالقرآن. فقال عثمان ومن أين ذلك؟ فقال قال الله ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأحقاف: 15]. وقوله: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [البقرة: 233]. فإذا ذهب الحولان من ثلاثين شهرا كان الباقي لحمله ستة أشهر. فعجب الناس من استخراجه، ورجع عثمان ومن حضر رضي الله تعالى عنهم إلى قوله فصار إجماعًا»([32]).
وقال ابن القَيِّم – رحمه الله: «قال الله تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾[الأحقاف: 15]، فأخبر تعالى أن مدة الحمل والفطام ثلاثون شهرا وأخبر في آية البقرة أن مدة تمام الرضاع ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾فعلم أن الباقي يصلح مدة للحمل وهو ستة أشهر، فاتفق الفقهاء كلهم على أن المرأة لا تلد لدون ستة أشهر إلا أن يكون سقطا…»([33]).
3- الآثار عن عمر وعلي وعثمان وابن عباس.
فقد روى البَيْهَقِيّ عن أبي حرب بن أبي الأسود الديلي «أن عمر – رضي الله عنه – أتي بامرأة قد ولدت لستة أشهر فهم برجمها فبلغ ذلك عليا – رضي الله عنه – فقال ليس عليها رجم فبلغ ذلك عمر – رضي الله عنه – فأرسل إليه فسأله فقال قال الله تعالى ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأحقاف: 15]. وقوله: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ ، فستة أشهر حمله وحولان تمام الرضاعة لا حد عليها أو قال لا رجم عليها قال فخلى عنها»([34]).
وذكر الحافظ – رحمه الله – اختلافهم فيمن وقعت له الحادثة بين عمر وعثمان ومن ناظره بين علي وابن عباس رضي الله عن الجميع([35]).
4- الوجود.
فقد جاء أن عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي قد ولد لستة أشهر([36]).
وقال الماوَرْدِيّ – رحمه الله: «وأما اعتبار الوجود فما حكي أن الحسين بن علي عليهما السلام ولد بعد ستة أشهر من ولادة أخيه الحسن رضوان الله عليهما»([37]).
رأي الطب
مما لا شك فيه أن رأي الطب تغير نتيجة لتطوره في باب إنعاش المولودين الخُدَّج. ولكن قبل أن أعرض لهذا التغير، لابد أن أشير إلى وقوع لَبْس وخطأٍ عندما ينقل بعض الفقهاء رأي الطب بشأن مدة الحمل، وذلك لأن الأطباء يحسبون – إلا أن يذكروا خلاف ذلك – المدة من بداية آخر حيضة([38])، بينما الفقهاء معنيون بالمدة من وقت الجماع وهو وقت الإخصاب([39]) أو قبله بيوم أو اثنين. إن هذا يؤدي إلى فرق كبير، فعندما يقول الطبيب إن أدنى مدة للحمل مثلًا أربعة وعشرون أسبوعًا فإن هذا يعني اثنين وعشرين أسبوعًا من الإخصاب؛ أي دون ستة الأشهر بكثير.
إن ستة الأشهر من وقت الجماع تساوي سبعة وعشرين أسبوعًا من بداية آخر حيضة للمرأة، وهذا هو ما جرت عادة الأطباء على استعماله. ولذلك فإنه تلزم مراجعة ما جاء في توصيات ندوة الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية من قولهم – حفظهم الله: «وقد كان الخط الفاصل بين الإسقاط والولادة عند ثمانية وعشرين أسبوعًا، لكن مع التقدم الطبي الذي حسن فرص الجنين الأصغر من هذا العمر في القدرة على الحياة نزل هذا الحد إلى أربعة عشرين أسبوعًا وهو ما يطابق الحكم الشرعي…»([40]) .
إن هذه الأسابيع الأربعة والعشرين التي يتكلم عنها الأطباء إنما هي من وقت بداية آخر حيضة، أي أنها اثنان وعشرون أسبوعًا من زمن الجماع، وعليه فهي أربعة وخمسون ومائة يوم (154). بينما ستة الأشهر هي تقريبًا سبعة وسبعون ومائة يوم (177)، فلا تطابق إذًا.
إن الطب مر بمراحل عدة فإلى وقت غير بعيد كان الأطباء لا يرون أن المولود لدون ستة أشهر ونصف من الإخصاب يمكن أن يعيش، يقول الطبيب د. عبد الله باسلامة: «غير الأطباء رأيهم الآن وأصبحت أقل مدة الحمل هي ستة أشهر بعد أن كانت سبعة، والواقع أنه إلى الآن لا تزال مذكورة في دائرة المعارف البريطانية أن أقل الحمل الذي يمكن أن يعيش هو (28) أسبوعا أو (169) يومًا، ولا أعتقد أنه سوف يجيء يوم من الأيام ويكون في مقدور جنين أن يعيش خارج الرحم ويواصل الحياة إن هو نزل قبل هذه المدة (ستة شهور)»([41]). قلت: الكلام غير متفق، فليست الأيام التسعة والستون والمائة هي ستة الأشهر، بل لا يمكن أن تكون ستة الأشهر دون خمسة وسبعين ومائة يوم.
وتقول الطبيبة د. نبيهة عبد الجبار: «إذا حدثت الولادة قبل الشهر السابع يكون ذلك إجهاضًا ولكن في بعض المراكز المتخصصة لرعاية الأطفال الخدج يمكن المحافظة والعناية على الأطفال الخدج حتى ولو كانوا في ستة شهور أو وزنهم 800 جم أو أكثر([42]). أما في الكويت فلم يتيسر بعد مثل هذه المراكز»([43])
ولا أدري إذا كانت الدكتورة تعني ستة أشهر باصطلاح الفقهاء أو الأطباء، والأقرب أنها تستخدم اصطلاح الأطباء، ومن ثم فإن ستة الأشهر هي خمسة ونصف من الإخصاب.
ونقل الدكتور يحيى عبد الرحمن الخطيب في رسالته للماجستير عن الدكتور محيي الدين كحالة قوله إن أقل مدة للحمل يمكن أن يولد فيها المولود تام الخلقة هي ستة أشهر وإن الطفل يحتاج إلى حاضنة خاصة لكي يتمكن من العيش بعد إذن الله([44]).
ولو توقفنا عند قول الأطباء إن أقصر مدة للحمل هي أربعة وعشرون أسبوعًا أي اثنان وعشرون أسبوعًا من الإخصاب، لكان ذلك أربعة وخمسين ومائة يوم (154)، وهو غير ستة الأشهر، التي هي سبعة وسبعون ومائة يوم (177) تقريبًا. لكن الأمر لا يقف هنا، لكن أقل سن لإمكانية إنقاذ الخديج هبط إلى اثنين وعشرين أسبوعًا من بداية الحيضة الأخيرة أي عشرون أسبوعًا من الإخصاب أو أربعون ومائة يوم (140)([45]) بل سُجِّلت حالة عاشت فيها طفلة ولدت بعد واحد وعشرين أسبوعًا وستة أيام من بداية الحيضة الأخيرة أي تسعة عشر أسبوعًا وستة أيام من الإخصاب أي سبع وثلاثين ومائة يوم (137) منه([46]).
التوفيق بين أقوال الفقهاء ورأي الطب
لابد أولًا عند التوفيق ألا نرد صريح نص من القرآن أو السنة الصحيحة أو إجماعًا منعقدًا، كذلك فإن أهل السنة كما بينا في تغير الفتوى لا يردون دليل الحس. أما النص الصريح فليس ثم، واستنباط علي أو ابن عباس – رضي الله عنهما – إنما هو من إشارة النص، وإلا لما خفي على أكثر الصحابة – رضي الله عنهم جميعًا. والتحديد بستة الأشهر من الآيتين استنباط حسن لطيف، ولكن ليس فيهما ما يقطع أن المولود لدونها لا يعيش، ولذلك لم يلتزم بعضهم بستة الأشهر من غير نقصان ولا زيادة، بل إن سفيان الثَّورِيّ تسامح في اليوم واليومين دون ستة الأشهر([47]).
أما الإجماع، فنقله غير واحد من العلماء ولا نعلم لهم مخالفًا، ولكنْ على ماذا أجمعوا؟
لا يظهر انعقاد إجماع الصحابة على أن الولد لا يولد حيًا دون ستة الأشهر بل أنه يولد حيًا لستة أشهر. أما إجماع من بعدهم على أنه لا يولد حيًا لدونها، فمثل هذا الإجماع الإقراري أو الاستقرائي لا يصلح كدليل قطعي بل هو حجة ظنية غيرها قد يكون أقوى منها([48]). ولكن هل أجمعوا على أنه لا يولد حيًا لدون ستة الأشهر؟ إنهم قد أجمعوا على أن الولد إذا ولد لستة أشهر من النكاح نسب لأبيه، وليس له أن ينفيه، والظاهر أنهم يتفقون على أنه لو ولد لدون ذلك، واستمرت به حياة، لا ينسب له. إنهم يقولون إن المولود لدون ستة الأشهر لا تكون له حياة مستقرة، لأن سبب الموت قد تعلق به وهو نقص الخِلْقَة. قال الهَيتَمِيّ – رحمه الله: «وقع السؤال عن شخص تزوج بامرأة ودخل بها، ثم مات وألقت جنينا بعد خمسة أشهر من العقد ومكث حيًا نحو يوم ومات فهل يرث أو لا والجواب أن الظاهر عدم الإرث؛ لأنه إن كان ولدا كاملا فهو من غير الزوج المذكور؛ لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر وإن لم يكن كاملًا فحياته غير مستقرة وهي مشترطة للإرث فاحفظه فإنه مهم ولا تغتر بمن ذكر خلافه»([49]). لاحظ أنه لا ينكر أنه يولد حيًا لدون ستة الأشهر، ولكنه لا يرى أن له حياة مستقرة. وقال البُهُوتِيّ – رحمه الله: «(وتصح) الوصية (للحمل) لأنه يرث وهي في معنى الإرث من جهة الانتقال عن الميت مجانا (إن كان موجودا حال الوصية) لأنها تمليك فلا تصح لمعدوم (بأن تضعه حيا لأقل من ستة أشهر من حين الوصية فراشا كانت لزوج أو سيد، أو بائنا) لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر كما يأتي، فإذا وضعته لأقل منها وعاش لزم أن يكون موجودًا حينها»([50]). لاحظ قوله: «وعاش».
وقد يعكر على ما ذهبت إليه قول الإمام ابن القَيِّم – رحمه الله: «فاتفق الفقهاء كلهم على أن المرأة لا تلد لدون ستة أشهر إلا أن يكون سقطًا»([51]). ولكن غيره يخالفه في ذلك، وليست عبارات العلماء كقواطع نصوص الوحي مهما علا في العلم كعبهم.
إنه من الواضح من كلامهم، رحمهم الله، أنهم يعون إمكانية ولادة الجنين حيًا لدون الأشهر الستة، ولكنه لا تستقر حياته عندها، وإن هذا هو عين الصواب، فإن الجنين إذا ولد لدون السبعة والثلاثين أسبوعًا سمي خداجًا أو خديجًا، أي ناقص النمو، وتزداد المخاطر إذا كان دون الأربعة والثلاثين، وتشتد جدًا إذا ما كان دون السبعة والعشرين إلى الثمانية والعشرين (وهي ستة الأشهر من الإخصاب)، فإنه عندها لا يعيش إذا ترك من غير تدخل طبي على قدر عالٍ جدًا من الكفاءة([52]).
إذًا فستة الأشهر هي أدنى فترة للحمل يعيش معها الجنين من غير تدخل طبي. فإذا ما جاءت المرأة في زماننا بوليد لستة أشهر أو فوقها من النكاح، فإن نسبه يثبت لصاحب الفراش من غير مراجعة للطبيب، وإذا ما أتت به لدون ذلك وعاش بعد التدخل الطبي، روجع الأطباء لمعرفة حال الوليد، وما إذا كان عمره عند ولادته دون ستة الأشهر من زمن الإخصاب.
قال الإمام ابن حَزْم – رحمه الله: «فإن تيقن بضُؤولة خلقته أنه لستة أشهر أو سبعة أشهر أو ثمانية وكانت هذه المدة قد استوفتها عند الثاني وتيقن بذلك أنه ليس للأول فهو للثاني بلا شك»([53]) .
إن هذا يؤدي إلى أن النكاح لا ينفسخ إذا تزوجها بكرًا، وولدت لدون ستة الأشهر وشهد الأطباء لها، ويُدرَأ عنها الحد عند القائل به ويثبت النسب لصاحب الفراش، ولا ينتفي منه إلا باللعان ويرث منه.. إلخ.
أكثر الحمل
اختلف السادة الفقهاء – رحمهم الله – في أقصى مدة الحمل، فذهب بعضهم إلى أنها تسعة أشهر وقيل سنة وسنتان وأربع وخمس وست وسبع ولا حد لها. وإنما اختلفوا هذا الاختلاف الواسع لأنه لا عمدة لهم إلا إشارة النص في دعوى البعض، وهي من الخفاء – إن كانت صحيحة – بحيث لم يدركها الجمهور، أو رأي لصحابي أو حكاية وجود، وفي أكثرها نظر. وقد أحسن ابن عبد البر – رحمه الله – حينما قال: «وهذه مسألة لا أصل لها إلا الاجتهاد والرد إلى ما عرف من أمر النساء وبالله التوفيق»([54]).
وقد صار الأطباء قادرين على تحديد عمر الجنين في بطن أمه بشيء من الدقة، وصار من الممكن التفريق بين الحمل الكاذب والحقيقي بالتحليلات. وصارت أخبار غرائب الحمل والولادة تنتشر بين المتخصصين في أرجاء المعمورة بسرعة كبيرة مع تقدم أجهزة الاتصال، ولم تسجل حالة واحدة زاد فيها الحمل على السنة، بل إن الأطباء يعتقدون استحالة استمرار الحمل فوق الخمسة والأربعين أسبوعًا من بداية آخر دورة.
4 آراء السادة الفقهاء في أقصى مدة الحمل
كما سبق، فإن الفقهاء – رحمهم الله- اختلفوا اختلافًا واسعًا في أقصى مدة الحمل، وهذا تفصيل آرائهم.
4 تسعة أشهر، وهو قول داود وابن حَزْم ومال إليه ابن رُشْد([55]).
4 سنة وهو قول محمد بن عبد الحكم([56]).
4 سنتان، وهو قول الحنفية([57]) ورواية عند الحنابلة([58]).
4 ثلاث سنين، وهو قول الليث بن سعد([59]).
4 أربع سنين، وهو قول الشافعية([60]) والحنابلة([61]) ورواية لمالك عدها البعض الأقوى([62]).
4 خمس سنين، وهي الرواية الأشهر عن مالك والتي اختارها ابن القاسم([63]) وابن رُشْد([64]).
4 ست سنين، وهي إحدى الروايتين عن الزُّهْرِيّ([65]).
4 سبع سنين، وهي إحدى الروايات عند المالكية، والأخرى عن الزُّهْرِيّ([66]).
4 لا حد لأكثره، وهو قول أبي عبيد القاسم بن سلام([67]) ورواية عن مالك([68]).
وهذا عرض لأدلتهم مع المناقشة:
& أدلة من تمسك بتسعة الأشهر:
قال ابن حَزْم – رحمه الله: «ولا يجوز أن يكون حمل أكثر من تسعة أشهر ولا أقل من ستة لقول الله: ﴿ ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأحقاف: 15]. وقوله: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [البقرة: 232]، فمن ادعى أن حملا وفصالا يكون في أكثر من ثلاثين شهرا فقد قال الباطل والمحال ورد كلام الله عز وجل جِهارا»([69]). وهذا وجيهٌ إلى حد ما في نقض القول بما فوق الثلاثين شهرًا لا في إثبات القول بتسعة الأشهر.
وقال – رحمه الله: «…قال عمر بن الخطاب: أيما رجل طلق امرأته فحاضت حيضة أو حيضتين ثم قعدت فلتجلس تسعة أشهر حتى يستبين حملها فإن لم يستبن حملها في تسعة أشهر فلتعتد بعد التسعة الأشهر ثلاثة أشهر عدة التي قد قعدت عن المحيض»([70]).وليس فيه دليل له – رحمه الله -، فإن عمر – رضي الله عنه – إنما اعتد بأغلب الحمل لا أكثره وقد يجاب على ذلك بأن عمر – كما سيأتي – أمر امرأة المفقود أن تعتد أربع سنين، والخصم يقول لأنه رآها أكثر الحمل. وإن كان عمر – رضي الله عنه – قد رأى ذلك فإنما الحجة في إجماع الصحابة، أما آحاد أقوالهم إذا اختلفوا فإنما تصلح للاستئناس.
& دليل من قال بالسنة:
أما محمد بن عبد الحكم – رحمه الله – فاستدل بأن السَّنَةَ «أقرب إلى المعتاد، والحكم إنما يجب أن يكون بالمعتاد، لا بالنادر ولعله أن يكون مستحيلا»([71]).
ويجاب على ذلك بأن الحكم هنا لأقصى الحمل لا أغلبه، ونريد بذلك إثبات النسب لمن ولد دون أقصاه ودرء الحد عن المرأة وتوريث ولدها وهذه أمور يحتاط لها. وليس مع من قال بالسنة دليل من الوحي، وإن كان قولهم الأقرب إلى الصواب في الوجود.
& دليل من قال بالسنتين:
ومن قال بالسنتين، فيدفع الأقوال التي جعلت أقصاه فوق الثلاثين شهرًا بمثل ما قال ابن حَزْم – رحمه الله – ويزيد فيثبت قوله بقول عائشة: «ما تَزِيدُ الْمَرْأَةُ في الْحَمْلِ أَكْثَرَ من سَنَتَيْنِ قَدْرَ ما يَتَحَوَّلُ ظِلُّ عُودِ الْمِغْزَلِ»([72]). والحديث من رواية جميلة بنت سعد. قال ابن المُلَقِّن- رحمه الله: «جميلة بنت سعد مجهولة لا يدرى من هي» ([73]) وبمثل قوله قال ابن حَزْم([74]).
ولهم ما روي أنه جاء رجل إلى عمر – رضي الله عنه – فقال يا أمير المؤمنين إني غبت عن امرأتي سنتين فجئت وهي حُبلَى فشاور عمر تناسًا في رجمها فقال معاذ بن جبل – رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين إن كان لك عليها سبيل فليس لك على ما في بطنها سبيل فاتركها حتى تضع، فتركها فولدت غلاما قد خرجت ثناياه، فعرف الرجل الشبه فيه، فقال ابني ورب الكعبة، فقال عمر – رضي الله عنه – عجَزت النساء أن يلدن مثل معاذ لولا معاذٌ لهلك عمر([75]).
وليس لهم أن يستدلوا به على من قال بفوق السنتين، لذا قال البَيْهَقِيّ – رحمه الله: «وهذا إن ثبت ففيه دلالة على أن الحمل يبقى أكثر من سنتين وقول عمر – رضي الله عنه – في امرأة المفقود تربص أربع سنين يشبه أن يكون إنما قاله لبقاء الحمل أربع سنين والله أعلم»([76]) . لكن الحديث لا يثبت. قال فيه ابن حَزْم – رحمه الله: «وهذا أيضا باطل لأنه عن أبي سفيان، وهو ضعيف؛ عن أشياخ لهم، وهم مجهولون»([77]).
أما الليث – رحمه الله – فليس له على الثلاثة إلا الوقوع([78])، وإن صح فلا يدل على أقصى الحمل.
& دليل من قال بالأربع:
أما القائلون بأربع السنين، وهم الجمهور فلهم:
ما روي أن امرأة أتت عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فقالت: «استهوت الجن زوجها فأمرها أن تتربص أربع سنين ثم أمر ولي الذي استهوته الجن أن يطلقها ثم أمرها أن تعتد أربعة أشهر وعشرا»([79]).
وهذا الأثر ثابت عن عمر – رضي الله عنه – قال ابن المُلَقِّن: «هذا الأثر صحيح رواه مالك في المُوَطَّأ عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المُسَيَّب ورواه الشافعي كذلك عنه قَالَ البَيْهَقِيّ ورواه يونس بن يزيد عن الزُّهْرِيّ وزاد فيه قَالَ وقضى في ذَلِكَ عثمان بن عفان بعد عمر. قال ورواه أبو عبيد عن محمد بن كثير عن الأوزاعِيّ عن الزُّهْرِيّ عن سعيد بن المُسَيَّب أن عمر وعثمان ب قالا امرأة المفقود تتربص أربع سنين ثم تعتد أربعة أشهر وعشرًا ثم تنكح»([80]). وصححه ابن حَزْم.
قال البَيْهَقِيّ – رحمه الله: «وقول عمر – رضي الله عنه – في امرأة المفقود تربص أربع سنين يشبه أن يكون إنما قاله لبقاء الحمل أربع سنين والله أعلم»([81]) .
لكن ليس قول عمر صريحًا في أنه إنما أراد لها أن تتربص لاحتمال الحمل، بل الأقرب أنه أراد الاستيثاق من موت المفقود. وروى ابن المُسَيَّب عنه – رضي الله عنه – «أيما رجل طلق امرأته فحاضت حيضة أو حيضتين ثم قعدت فلتجلس تسعة أشهر حتى يستبين حملها فإن لم يستبن حملها في التسعة الأشهر فلتعتد ثلاثة أشهر بعد التسعة التي قعدت من المحيض»([82]) .
ولهم من الآثار والأخبار بوقوع أربع السنين في الحمل ما يأتي:
عن الوليد بن مسلم قال قلت لمالك بن أنس إني حدثت عن عائشة ل أنها قالت لا تزيد المرأة في حملها على سنتين قدر ظل المغزل فقال سبحان الله من يقول هذا هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان امرأة صدق وزوجها رجل صدق حملت ثلاثة أبطن في اثنتي عشرة سنة تحمل كل بطن أربع سنين([83]).
1- وعن المبارك بن مجاهد قال: «مشهور عندنا امرأة محمد بن عجلان تحمل وتضع في أربع سنين، وكانت تسمى حاملة الفيل»(1).
2- وعن محمد بن عمر هو الواقدي قال: «سمعت مالك بن أنس يقول قد يكون الحمل سنتين، وأعرف من حملت به أمه أكثر من سنتين يعني نفسه»(1).
3- وعن هاشم بن يحيى المجاشعي: بينما مالك بن دينار جالس إذ جاءه رجل فقال: «يا أبا يحيى ادع لامرأة حبلى منذ أربع سنين أصبحت في كرب شديد فغضب مالك وأطبق المصحف ثم قال: ما يرى هؤلاء القوم إلا أنا أنبياء ثم دعا فقال: اللهم هذه المرأة إن كان في بطنها ريح فأخرجها عنها الساعة وإن كان جارية فأبدلها بها غلاما فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب. ثم رفع مالك يده ورفع الناس أيديهم وجاء الرسول إلى الرجل فقال أدرك امرأتك فذهب الرجل، فما حط مالك يده حتى طلع الرجل من باب المسجد على رقبته غلام جعد قطط ابن أربع سنين قد استوت أسنانه وما قطعت أسراره»(1)
قال ابن حَزْم – رحمه الله: «وكل هذه أخبار مكذوبة راجعة إلى من لا يصدق ولا يعرف من هو ولا يجوز الحكم في دين الله تعالى بمثل هذا»([84]). قلت: ولو صحت، لما كان فيها دليل على أن الحمل يطول لهذه المدة كما سنبين إمكان حصول الوهم في تقدير زمان الحمل.
أما من قالوا بالست والسبع فعمدتهم الوقوع.
& دليل من ترك التحديد:
ومن لم يحدد، فاحتج بعدم وجود الدليل على أي حد، فكان وضع الحد تحكمًا. قال الإمام ابن القَيِّم – رحمه الله: «وقالت فرقة لا يجوز في هذا الباب التحديد والتوقيت بالرأي لأنا وجدنا لأدنى الحمل أصلا في تأويل الكتاب وهو الأشهر الستة، فنحن نقول بهذا ونتبعه ولم نجد لآخره وقتا وهذا قول أبي عبيد»([85]). والراجح أنه لا دليل من الشرع على التحديد، فينظر في العرف والوجود، فما لم يقدره الشرع يتقدر بهما، وأهل الذكر في هذا هم الأطباء، فلنرَ ما يقررونه.
رأي الطب في أكثر مدة الحمل
قبل عرض رأي الطب عن أكثر الحمل ينبغي أن نؤكد أن ذكر طبيب أو أطباء لحملٍ جاوزَ كذا وكذا لا عبرة به، لأن الأطباء قد يجري عليهم من الوهم والخطأ ما يجري على غيرهم.
وينبغي أيضًا أن نؤكد أن الخطأ في تحديد أكثر الحمل ليس قاصرًا على أمة دون أخرى، بل إن الغربيين يخطئون كما يخطئ غيرهم. أردت بيان ذلك لأن البعض قد يتمسك بدعوى أحد الأطباء من هنا أو هناك لم يقم عليها دليل، ويجعلها أساسًا ينطلق منه.
أما ما ذكر عن أكثر مدة للحمل، فقد ذكرت صحيفة التايم الأمريكية سنة 1942 أن طبيبًا ادعى أن حمل إحدى مرضاه طال 375 يومًا، وأنكر أطباء زمانه أن يكون ذلك ممكنًا([86]).
ونقل صاحب الموسوعة الطبية الفقهية د. أحمد كنعان، عن صحيفة المحقق الطبي الأمريكية لعام 1884، أن حملًا استمر خمسة عشر شهرًا وعشرين يومًا ونقل عن مجلة تاريخ الأكاديمية الفرنسية أن حملا استمر 36 شهرًا، لكنه بين أن هذه «روايات صحفية لا يمكن الاطمئنان إليها من الوجهة العلمية»([87]) ثم قال: «ومن النادر أن ينجو من الموت جنين بقي في الرحم 45 أسبوعًا [43 أسبوعا بحساب الفقهاء]، ولاستيعاب النادر فهذه المدة تمدد أسبوعين آخرين لتصبح 330 يومًا، ولم يعرف أن مشيمة قدرت أن تمد الجنين بعناصر الحياة لهذه المدة»([88]).
وينقل الدكتور يحيى عبد الرحمن الخطيب في كتابه أحكام المرأة الحامل عن الطبيبين أحمد ترعاني ومحيي الدين كحالة، أخصائيي التوليد، أن الحمل لا يمكن أن يجاوز عشرة الأشهر([89]).
وأفادت د. نبيهة عبد الجبار اختصاصية التوليد أن الإحصائيات تبين أن 25% من الحوامل يلدن في الأسبوع 42 [40 من الجماع] و12% في الأسبوع 43 و3% في الأسبوع 44([90]).
وما ذكر الأطباء في ذلك العدد صحيح تؤيده المعارف الطبية الحديثة، فإن هذا العالم الصغير الذي تنتشر فيه الأخبار بسرعة الضوء وتتشابك فيه خزائن معلومات مراكز البحث العلمي في أرجائه كافة، وتتم فيه الملايين من الولادات كل شهر، لم ينقل فيه إلى الآن من جهة موثوقة وبأدلة مقبولة أن حملًا قد زاد على الخمسة والأربعين أسبوعًا [43 من الجماع]، ولو كان ثم لانتشر، فإن دواعي نقل الغريب عند الأطباء ما أكثرها، بل إنهم يحرصون ويجهدون في نقل ما هو دون ذلك من الغرائب بمراحل.
أما زعم بعض الأطباء في سنة 1884 أو 1945م بوقوع حمل فوق المعهود، فلم يثبتوا بشيء من الأدلة المقبولة ما ذهبوا إيه ولم يصدقهم أهل زمانهم من الأطباء فضلًا عن أن نصدقهم اليوم مع ما آل إليه العلم من تطور، وما صارت إليه المختبرات من الدقة وما توصل إليه من أنواع الأشعة التي تتابع تكوين الجنين وحركاته داخل رحم أمه.
إن الجنين إذا طال حمله عن الأسبوع (41) تبدأ مشيمته بالضمور ويعاني من النقص في وصول الغذاء إليه([91]) وبعد الأسبوع (42) يحرض أكثر الأطباء الرحم لبدء الولادة حتى لا يصاب الجنين بمكروه([92])
إن كلمة الأطباء متفقة على أن الحمل لا يبقى حيًا في رحم الأم بعد الأسبوع الخامس والأربعين من بداية آخر حيضة. أي الثالث والأربعين من الجماع.
وجاء في التوصية السابعة عشر لندوة الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية المنعقدة بتاريخ 20 شعبان 1407هـ تحت رعاية المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية:
«أقصى مدة الحمل: قرر الأطباء أنه يستمر نماء الحمل منذ التلقيح حتى الميلاد معتمدًا في غذائه على المشيمة والأصل أن مدة الحمل بوجه التقريب مائتان وثمانون يومًا تبدأ من أول أيام الحيضة السوية السابقة للحمل. فإذا تأخر الميلاد عن ذلك ففي المشيمة بقية رصيد يخدم الجنين بكفاءة لمدة أسبوعين آخرين ثم يعاني الجنين المجاعة من بعد ذلك لدرجة ترفع نسبة وفاة الجنين في الأسبوع الثالث والأربعين والرابع والأربعين ومن النادر أن ينجو من الموت جنين بقي في الرحم خمسة وأربعين أسبوعًا. ولاستيعاب النادر والشاذ تمد هذه المدة اعتبارًا من أسبوعين آخرين لتصبح ثلاثمائة وثلاثين يومًا ولم يعرف أن مشيمة قدرت أن تمد الجنين بعناصر الحياة لهذه المدة. (وقد توسع القانون في الاحتياط مستندًا إلى بعض الآراء الفقهية بجانب الرأي العلمي فجعل أقصى مدة الحمل سنة) »([93]).
التوفيق بين آراء الفقهاء والمعارف الطبية الحديثة
بين يدي التوفيق بين آراء الفقهاء والطب، ينبغي التأكيد على أن الإشكال في أقصى الحمل لم يواجه فقهاءنا وحدهم، بل تختلف بشأنه القوانين في بلاد كثيرة، فقد أقر القانون الإنجليزي بحمل طال لمدة واحد وأربعين وثلاثمائة يوم (341)([94]) وهذا ما لا يمكن أن يقره الأطباء.
إن الطب الحديث لا يعرف حملًا زاد على الخمسة والأربعين أسبوعًا ولا يتصور ذلك بل يجزم الأطباء باستحالته([95])، وإن كان لا يخفى أنها ليست استحالة عقلية. إذًا فكيف الجمع بين ذلك وتلك الأخبار عن الثقات من فقهائنا أن حملًا قد طال لسنين؟
إن هذا يسير بإذن الله، وذلك أن المرأة قد ينقطع حيضها السنين ذات العدد ثم يحصل التبويض، وقبل أن يتبعه الحيض، يحصل الإخصاب فتظن أنها كانت حاملًا طيلة السنين الماضية. ومما يثبت ظنها أن الكثير من النساء يَتُقْن إلى الحمل فتتولد لديهن أحاسيسُ بحركة الجنين في البطن، وقد تكون ريحًا، أو باشتهاءِ بعض الأطعمة أو الأشربة، وقد يولد الجنين وله سن قد نبتت، وهي غير طبيعية، إلا أنها قد تثبت اعتقاد البعض في طول الحمل. هذا كله يندرج تحت مسمى الحمل الكاذب([96]) والذي يعرفه الأطباء، ولكن هل يعرفه الفقهاء؟ نعم، إنهم يعرفونه، وقد وُصِف في بعض كتب الفقه، قال كمال الدين – رحمه الله:
«ولا يخفى أن قول عائشة – رضي الله عنها – مما لا يعرف إلا سماعا وهو مقدم على المحكي عن امرأة ابن عجلان لأنه بعد صحة نسبته إلى الشارع لا يتطرق إليه الخطأ بخلاف الحكاية، فإن غاية الأمر أن يكون انقطع دمها أربع سنين ثم جاءت بولد وهذا ليس بقاطع في أن الأربعة بتمامها كانت حاملا فيها لجواز أنها امتد طهرها سنتين أو أكثر ثم حبلت ووجود الحركة مثلا في البطن لو وجد ليس قاطعا في الحمل لجواز كونه غير الولد ولقد أخبرنا عن امرأة أنها وجدت ذلك مدة تسعة أشهر من الحركة وانقطاع الدم وكبر البطن وإدراك الطلق فحين جلست القابلة تحتها أخذت في الطلق فكلما طلقت اعتصرت ماء هكذا شيئا فشيئا إلى أن انضمر بطنها وقامت عن قابلتها عن غير ولادة»([97]).
وبمثل ما قال الكمال – رحمه الله – نقول، لكن خبر عائشة إن صح قد يكون من قبيل الرأي. فالحق إذًا الذي ينبغي المصير إليه مع عدم وجود النص من الوحي، أن أكثر الحمل لا يتجاوز عشرة الأشهر، ولعل الحسن قد أشار إلى ذلك من غير تصريح في تفسير قوله تعالى: ﴿اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ﴾ [الرعد: 8] حيث قال – رحمه الله: «ما تغيض الأرحام ما كان من سقط وما تزداد المرأة تلد لعشرة أشهر»([98]).
وقد يتجه أن يحتاط القانون فيجعل أكثر الحمل عامًا، كما هو الحال في القانونين المصري والسوري، وبذلك يوافق قول القوانين، وكثير من المعاصرين من الفقهاء([99]) قول محمد بن عبد الحكم – رحمه الله – إلا أنه يعتد بالسنة القمرية وتعتد القوانين بالسنة الشمسية.
والطب الحديث قادر عن طريق الأشعة الصوتية والاختبارات المعملية بل والمتابعة الإكلينيكية لحجم الرحم أن يخبر عن مدة الحمل بنوع من الدقة([100]). ويترتب على ذلك القولِ تغيرُ الفتوى في أبواب عديدة كلحوق النسب واللعان وإقامة حد الزنا عند من قال به([101]) وتأخير الحد لأجل الحمل عند ادعائه والوقف على الجنين والوصية له وغيرها من الأحكام المتعلقة به.
ثبوت النسب بالاستلحاق
المادة رقم (6): الاستلحاق هو الإقرار ببنوة مجهول النسب، ويثبت به النسب ـ ولو في مرض الموت ـ بالشروط التالية: 1- أهلية المقر، وتكون بالبلوغ والعقل والاختيار. 2- أن يكون فارق السن بينهما يحتمل صدق الإقرار. 3- أن يصدقه المقر له متى كان بالغًا عاقلًا.
المادة رقم (7): إذا كان المقر امرأة متزوجة، أو معتدة، فلا يثبت نسب الولد من زوجها، إلا إذا صدقها، أو أقامت البينة على ذلك. ولم ينفه عنه بلعان أو يثبت عدم امكانية اللقاء.
المادة رقم (8): إقرار مجهول النسب بالأبوة أو الأمومة، لا يثبت به النسب إلا إذا صدقه المقر عليه إذا كان بالغاً عاقلاً، أو قامت البينة على ذلك، وكان فارق السن يحتمل ذلك.
المادة رقم (9): الإقرار بالنسب في غير البنوة، والأبوة، والأمومة، لا يسري على غير المقر إلا بتصديقه، أو إقامة البينة.
المادة رقم (10): لا تسمع الدعوى من ورثة المقر بنفي النسب بعد ثبوته بالإقرار الصحيح.
الاستلحاق وولد الزنا
لعل الكلام عن الاستلحاق وعن ثبوت نسب ولد الزنا يتداخلان، لذلك نعرض لهما معًا.
إن الذي يظهر هو أن عدم ثبوت النسب للزاني ليس على إطلاقه، فالدليل عليه هو قول الرسول ﷺ: «الولد للفِراشِ ولِلْعاهِر الحَجَرُ»([102]). ولكن فهم بساط الحال الذي ورد فيه الحديث مهم للتعرف على مراده ﷺ فعن عائشة: «كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد أن يقبض ابن وليدة زمعة وقال عتبة: إنه ابني، فلما قدم رسول الله ﷺ وأقبل معه عبد بن زمعة فقال سعد: هذا ابن أخي عهد إلي أنه ابنه قال عبد بن زمعة: يا رسول الله، هذا أخي هذا ابن زمعة ولد على فراشه. فنظر رسول الله إلى ابن وليدة زمعة فإذا أشبه الناس بعتبة بن أبي وقاص فقال: احتَجِبي منه يا سَوْدة لما رأى من شبه عتبة بن أبي وقاص. قال ابن شهاب قالت عائشة: قال رسول الله ﷺ: الولد للفِراشِ ولِلْعاهِر الحَجَرُ».
والحديث هنا يصف حالة معينة يتنازع فيها نسب مولود، والمتنازعان أحدهما ابن صاحب الفراش والآخر الزاني، وكلاهما يريد الولد، ولا بينة إلا قرينة الشبه. وحكم رسول الله ﷺ هنا بغلق الباب أمام فساد عظيم وشر مستطير إذا انتشر مثل هذا التنازع في المجتمع، وتجرأ الزناة بل والمفترون على نسبة الأولاد إليهم من نساءٍ هن فُرشٌ لأزواج. ولكن إذا كانت المرأة خلية من الزوج، فإن الأقرب للسنة هو نسبة الولد إلى الزاني، وهو قول بعض المالكية والحسن وابن سيرين والنَّخْعِيّ وإسحاق وعُرْوَة وسليمان بن يسار واختيار ابن تَيمِيَّة، كما ذهب إليه الحنفية بشرط الزواج منها([103]).
والذي يشهد لهذا القول أدلة منها:
1- حديث إقراع علي – رضي الله عنه: عن زيد بن أرقم – رضي الله عنه – قال: كنت جالسًا عند النبي ﷺ، فجاء رجل من اليمن، قال: إن ثلاثةَ نَفَر من أهل اليمن أتوا عليًّا يختصمون إليه في ولد، وقد وقعوا على امرأة في طهر واحد، قال لاثنين منهما: طيبا بالولد لهذا، فغَلَيا، ثم قال لاثنين: طيبا بالولد لهذا، فغليا، ثم قال لاثنين: طيبا بالولد لهذا، فغَلَيا، فقال: أنتم شركاء متشاكسون، إني مُقْرِعٌ بينكم، فمن قرَع فله الولد، وعليه لصاحبيه ثلثا الدِّيَة، فأقرع بينهم، فجعله لمن قَرَع، فضحك رسول الله ﷺ حتى بدت أضراسُه أو نَواجِذُه([104]). ولم يسألهم إن كانوا جميعًا وطئوها بشبهة، مع كونه أيضًا احتمالًا بعيدًا جدًّا.
2- حديث إلحاق الولد بشريك بن سحماء: فعن ابن عباس – رضي الله عنه – «أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي ﷺ بشَرِيك بن سَحْماءَ، فقال النبي ﷺ: البينة أو حدٌّ في ظهرك، فقال: يا رسول الله، إذا رأى أحدُنا رجُلًا على امرأته يلتمسُ البينة؟! فجعل النبي ﷺ يقول: البينةُ أو حَدٌّ في ظهرك فقال هلال: والذي بعثك بالحق نبيًّا إني لصادق، وليُنزِلنَّ الله في أمري ما يُبَرّئُ ظهري من الحدّ، فنزلت:﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾[النور: 6]قرأ حتى بلغ ﴿وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾[النور: 9]فانصرف النبي ﷺ فأرسل إليهما فجاءا، فقام هلال بن أُمية فشهد والنبيُّ ﷺ يقول: الله يعلم أن أحدَكما كاذب، فهل منكما من تائب؟ ثم قامت فشهدت، فلما كان عند الخامسة﴿َنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ{8} وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾[النور: 9]، وقالوا لها: إنها مُوجِبة، قال ابن عباس: فتلكأَت وَنَكَصت حتى ظننا أنها سترجع، فقالت: لا أفضحُ قومي سائرَ اليوم، فمضتْ، فقال النبي ﷺ: أَبْصِروها فإنْ جاءتْ به أكْحَلَ العينين سابغ الألْيَتَيْن خَدَلَّجَ الساقين فهو لشَرِيكِ بن سَحْماَء فجاءت به كذلك، قال النبي ﷺ: لَوْلا مَا مَضَى من كِتَابِ اللهِ لَكَانَ لي ولهَا شَأنٌ»([105]).
والشاهد هنا هو إلحاق النبي ﷺ الولد بشريك بن سحماء بالشبه، رَغم أن المرأة فراش لزوج، ولكن الزوج لاعنها ونفى الولد، فكان ذلك مع الشبه يورث الاطمئنان إلى أن الولد ابن شريك.
وهذا الحديث قد يستدل به على أنه لا يلحق بالزاني ابنه من الخلية من الزوج فقط بل أيضًا ابنه من المتزوجة إن نفى زوجها الولد، ولكن المعارض قد يقول أن في ذلك حرمانًا للملاعن من حقه في استلحاق الولد([106]). وقد يجاب على ذلك بأن المستلحِق لم يضم إليه إلا من لا نسب له لنفي صاحب الفراش إياه، فلو أراده لكان له، وإن لاعن أمه على الزنى.
3- إلحاق عمر أولاد الجاهلية من الزنى بمن ادعاهم: روى البَيْهَقِيّ بسنده – وصححه – عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أن رجلين تداعيا ولدا فدعا له عمر – رضي الله عنه – القافة فقالوا: لقد اشتركا فيه فقال له عمر – رضي الله عنه: «والِ أيَّهما شِئت»([107]).
4- عدم وجود الدليل المانع من الإلحاق وتقدم أن حديث «… وللعاهر الحَجَر» يختص بحالة معينة يكون فيها الزوج غير نافٍ للولد([108]).
5- وأكثر الفقهاء يجيزون إلحاق مجهول النسب بمدعيه دون استفصال من طالب الإلحاق، شريطة أن يكون ذلك ممكنًا عقلًا([109])ومنهم من يزيد، قال الغَزالِيّ – رحمه الله – في أركان الإلحاق([110]): «الركن الثاني: المُلحِق وهو كل مُدْلِجي([111]) مجرب أهل للشهادة… وأما المجرب فنعني به أن من كان مدلجيًا أو ادعى علم القافة لم يقبل قوله حتى يجرب ثلاثًا بأن يرى صبيًّا بين نسوة ليس فيهن أمه فإن لم يلحق أحضرت نسوة أخر فيهن أمه فإن ألحق علمنا أنه بصير»([112]). ولكنهم لا يشترطون أن يكون المستلحق سبق له زواج، وإن اشترطوا عدم تصريحه بالزنا.
إن الذي يظهر هو أن ولد الزنا يلحق بأبيه إذا كانت الأم خلية من الزوج، وقد يسوغ إلحاقه مع كون الأم صاحبة زوج، وذلك إذا انتفى منه الزوج. إن ذلك القول أولى بالنصوص إذا فهمت مجتمعة وأدعى لحفظ حقوق الأطفال وأقرب لمقصد الشارع.
ثبوت النسب بالبينة
المادة رقم (11): البصمة الوراثية (DNA): هي المادة الوراثية الموجودة في خلايا جميع الكائناتالحية، وهي التي تجعل كل كائن حي مختلفًا عن الآخرين.
التعريف بالبصمة الوراثية
البصمة فوت ما بين الخنصر والبنصر، وجعلها مجمع اللغة العربية اسمًا لأثر الختم بالإصبع([113]). ولما ظهرت تحليلات الأحماض الأمينية التي تسمى بالمورثات كمحقق للهُوِيَّة سميت تلك المورثات بالبصمة الوراثية.
التعريف الطبي: توصل علم الوراثة (Genetics) إلى أن جسم الإنسان الذي يحتوي على حوالي مائة مليون خلية تتحدد صفاته عن طريق مورثات (Genes) وهي خيوط رفيعة مجدولة من بروتين الحمض النووي المتكون من أربع قواعد نيتروجينية: الأدينين والجوانين والسيتوزين والثيامين. وهناك نحو مائة ألف مورث محمول على ثلاثة وعشرين زوجًا من الكروموسومات أو حاملات الجينات. وبكل خلية ما يقارب ذلك العدد. لكن كيف تنقل الجينات الصفات المختلفة؟ كما ذكرنا، فإن هذه مكونة من تتابع هذه القواعد الأربعة (A-G-C-T) وكل حمض أميني يكون من شريطين وكل جين يتصل بالجين المقابل له على الشريط الآخر برابطة فوسفورية. وهذه القواعد تختلف تتابعاتها من شخص إلى آخر.
A
T
C
G
G
A
T
A
G
C
C
T
[13] الحمض النووي (Credit:NIH)
ويوجد في الخلية حوالي ثلاثة بلايين من هذه القواعد، لذلك فمجرد الاختلاف في عشر في المائة منها يؤدي إلى الاختلاف في ثلاثة ملايين حرف كما يذكر ذلكEric Londer D Phile مدير مركز بحوث المادة الوراثية الكلية([114]).
وبأخذ عينة من الطفل ([115]) يمكن التعرف على والده بتحليل بعض خلاياه أيضًا أو نفي أبوته إذا اختلف مخزونهما من المورثات بحيث لا يمكن أن يكون ورث نصفها من هذا الرجل.
نقاط مهمة عن الاختبار:
أولًا: نسبة الدقة في تحديد الأبوة: يتفق الباحثون على أنه من غير عنصر الخطأ البشري فإن نسبة الدقة في نفي الأبوة هي 100% أي الخطأ 0%. أما في إثباتها فهي 99.999% أي احتمال الخطأ واحد من كل مائة ألف. ([116]) على أنه ينبغي أن يعلم أن هناك عامل الخطأ البشري والذي يجعل هذه التحليلات على دقتها عرضة للخطأ. وقد نشرت جريدة (Cape Cod Times)([117]) مقالًا عنوانه اختبار الـ (DNA) ليس معصومًا، ونقلوا فيه عن أحد الخبراء([118]) في الطب الشرعي قوله: «كباحث أستطيع أن أقول إنه عند الالتزام بجميع القواعد، والاختبار تحت ظروف محكمة ومع إعادة الاختبار للتأكد من حصول نفس النتائج عندها يكون اختبار الـ DNA معصومًا».
ثانيًا: النتائج المنقولة من معامل في دول غربية وأخشى ألا تكون معاملنا على نفس القدر من الدقة، لذلك ينبغي عمل دراسات كافية لمعرفة دقة التحليل في الواقع الذي سيمارس فيه.
ثالثًا: حتى تتم الدراسات اللازمة في بلادنا فسأبني آرائي على النتائج الصادرة في الغرب، ومفادها أن الاختبار – سيما عند تكراره في معملين لا تواطؤ بينهما – تصل نسبة دقته إلى 100% في النفي و99.999% في الإثبات.
المادة رقم (12): استعمال البصمة الوراثية في مجال النسب لا بد أن يُحاط بمنتهى الحذر والحيطة والسرية، ولذلك لا بد أن تقدم النصوص والقواعد الشرعية على البصمة الوراثية.
التوصية بضرورة أخذ الاحتياطات اللازمة.
أما أخذ الاحتياطات اللازمة فذلك أمر لا جدال فيه، وذلك لأن هذه الاختبارات المعملية يقوم بها بشر، وأن الاختبار نفسه وإن كان في غاية الدقة إلا أن الأخطاء البشرية قد تؤدي في مثل ما نحن بصدده إلى كوارث.
ولذلك يكون مناسبًا أخذ كل الاحتياطات كتعدد المختبرات وأهلية وأمانة العاملين فيها كما أنه يفضل أن تكون تابعة للدولة حتى لا يحصل تلاعب. وليس اشتراط التعدد هنا لكون الإعلان عن نتيجة التحليل من باب الشهادة، بل هو من باب الإخبار (الرواية)، ولكنه من أجل زيادة الاستيثاق من عدم حصول أي خطأ تقني أو فني في عملية الاختبار، وكذلك الاطمئنان إلى عدم وقوع تلاعب بالنتائج من قبل القائمين على أحد المعامل. ومما يصنع في الغرب لضمان المصداقية هو ما يسمى بالتعمية، فلا يدري القائمون على العمل بالمختبرات شيئًا عن شخوص المفحوصة عيناتهم، بل تأتيهم العينات مرقمة من الجهات الطالبة للتحاليل.
وأما تقديم النصوص، فلعل المقصود حديث الولد للفراش، ويأتي تفصيل الكلام عنه، وأما القواعد الشرعية، فليس مقصودًا منها أن كل ما ورد في كتب الفقهاء من أدلة الإثبات تقدم على البصمة، فلا يقول أحد من العلماء المعاصرين بتقديم القيافة أو القرعة مثلا عليها.
المادة رقم (13): يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات الآتية:
أـ حالات الاشتباه في المواليد في المستشفيات ومراكز رعاية الأطفال ونحوها، وكذا الاشتباه في أطفال الأنابيب.
ب ـ حالات ضياع الأطفال واختلاطهم، بسبب الحوادث أو الكوارث، أو الحروب، وتعذر معرفة أهلهم، أو وجود جثث لم يمكن التعرف على هويتها، أو بقصد التحقق من هويات أسرى الحروب والمفقودين.
جـ ـ حالات التنازع على مجهول النسب، سواء أكان التنازع على مجهول النسب بسبب انتفاء الأدلة أو تساويها، أم كان بسبب الاشتراك في وطء الشبهة ونحوه، مع عدم الإخلال بما جاء في المادة 117 من أن الولد للفراش.
المادة رقم (14): لا يجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحة الأنساب الثابتة شرعاً، ويجب على الجهات المختصة منعه وفرض العقوبات الزاجرة، لأن في ذلك المنع حماية لأعراض الناس وصوناً لأنسابهم، ولا يجوز جعلها بديلا من اللعان في نفي النسب.
حكم اعتماد البصمة الوراثية كدليل على ثبوت الأبوة أو نفيها
البصمة الوراثية لا تكاد تخطئ في تحديد نسبة الولد للوالدين، وإذا وضعت بعض الشروط لهذه الفحوص كما سنبين، فإن نتائجها تكون 100% أو قريبًا من ذلك.
ومن ثم، أرى أنه ينبغي المصير إلى القول بأنها أحد أدلة ثبوت النسب([119])، وأنها على أقل تقدير تقاس على القيافة بطريق الأولى، وهذا من وجهين:
الأول: أنها قطعية ونتائجها قريبة لليقين فشابهت دليل الحس، وإن كانت من نوع المعرفة الخاصة ببعض الناس دون بعض. وإنها إن لم تكن يقينية، فهي من الظن الغالب المقارب جدًّا لليقين، بخلاف القيافة التي تعتمد على الفراسة وبعض العلم والخبرة مما يجعلها من الظن الغالب، ولكنه لا يمكن أن يُزْعَم أنه أقرب لليقين منه إلى الشك([120]).
الثاني: أنها تعتمد على شبه خفي وهو مقدم على الظاهر، وبه قال البعض، ففي «تُحْفَة المُحْتاج»: «ولو ألحق قائف بشبه ظاهر وقائف بشبه خفي قدم لأن معه زيادة حذق وبصيرة»([121])
أما قول البعض في حلقات مناقشة مجلس المجمع الفقهي للرابطة: «لو حصل نقطة صغيرة ولو غبار في المعمل أتى على هذا الدم لخبط النتيجة كلها»([122]). فالجواب عليه من جهتين:
أن التجربة تعاد أكثر من مرة كما يمكن اشتراط تعدد المعامل، وقد أظهرت الدراسات أنه مع التدقيق فالنتيجة في النفي وإثبات الأبوة 100% ودون ذلك بقليل في أنواع الإثبات الأخرى.
ومن جهة الشرع، فتخلف الدليل عن دلالته على الندرة لا يخرجه عن كونه دليلًا، وفي ذلك يقول ابن القَيِّم – رحمه الله: «وجواز التخلف عن الدليل والعلامة الظاهرة في النادر لا يخرجه عن أن يكون دليلا عند عدم معارضة ما يقاومه؛ ألا ترى أن الفراش دليل على النسب والولادة وأنه ابنه؟ ويجوز – بل يقع كثيرا – تخلف دلالته؛ وتخليق الولد من غير ماء صاحب الفراش، ولا يبطل ذلك كون الفراش دليلًا؛ وكذلك أمارات الخرص والقسمة والتقويم وغيرها قد تتخلف عنها أحكامها ومدلولاتها، ولا يمنع ذلك اعتبارها؛ وكذلك شهادة الشاهدين وغيرهما»([123]).
وإن فقهاء المسلمين المعاصرين – حفظهم الله – لم يردوا العمل بالبصمة الوراثية، بل أقروا بأن لها مكانًا في التحقيق الجنائي والقضاء، وعلى الأخص في مسألة التنازع في النسب.
ولقد جاء قرار مجلس المجمع الفقهي التابع للرابطة شاهدًا على ذلك، ونصه:
«البصمة الوراثية هي البُنية الجينية التي تدل على هُوِيَّة كل إنسان بعينه. وأفادت الدراسات العلمية أنها وسيلة تمتاز بالدقة لتسهيل مهمة الطــب الشرعي ويمكن أخذها من أي خلية بشرية مـن الدم أو اللعاب أو المني أو البول أو غيره وبعد الاطلاع على ما اشتمل عليه تقرير اللجنة التي كلفها المجمع في الدورة الخامسة عشرة بإعداده من خلال دراسة ميدانية مستفيضة، والاطلاع على البحوث التي قدمت في الموضوع من الفقهاء والخبراء والاستماع إلى المناقشات التي دارت حوله، تبين أن نتائج البصمة الوراثية تكاد تكون قطعية في إثبات نسبة الأولاد إلى الوالدين أو نفيهم عنهما، وفي إسناد العينة التي توجد في مسرح الحادث إلى صاحبها، فهي أقــوى بكثير من القيافة العاديــة …، وأن الخطأ في البصمة ليس واردًا من حيث هي، وإنما الخطــأ في الجهد البشري أو عوامل التلوث ونحو ذلك، وبناء على ما سبق قرر ما يأتي: القرار.
أولًا: لا مانع شرعًا من الاعتماد على البصمة الوراثية في التحقيق الجنائي، واعتبارها وسيلة إثبــات في الجرائم التي ليس فيها حد شرعي ولا قصاص؛ لخبر (ادرؤوا الحدود بالشبهات)، وذلك يحقق العدالة والأمن للمجتمع، ويؤدي إلى نيل المجرم عقابه وتبرئة المتهم، وهذا مقصد مهم من مقاصد الشريعة.
ثانيًا: إن استعمال البصمة الوراثية في مجال النسب لا بد أن يحاط بمنتهى الحذر والحيطة والسرية، ولذلك لا بد أن تقدم النصوص والقواعد الشرعية على البصمة الوراثية
ثالثًا: لا يجوز شرعًا الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب، ولا يجوز تقديمها على اللعان.
رابعًا: لا يجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحة الأنساب الثابتة شرعًا، ويجب على الجهات المختصة منعه وفرض العقوبات الزاجرة؛ لأن في ذلك المنع حماية لأعراض الناس وصونًا لأنسابهم.
خامسًا: يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات الآتية:
أ- حالات التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء، سواء أكان على مجهول النسب بسبب انتفاء الأدلة أو تساويها، أم بسبب الاشتراك في وطء الشبهة ونحوه.
ب- حالات الاشتباه في المواليد في المشافي ومراكز رعاية الأطفــال، وكذا في أطفال الأنابيب.
ج- حالات ضياع الأطفال واختلاطهم بسبب الحوادث والكوارث والحروب وتعذر معرفة أهلهم أو وجود جثث لم تعرف هويتها، أو بقصد التحقق من هويات أسرى الحروب والمفقـودين.
سادسًا: لا يجوز بيع الجينوم البشري لجنس، أو لشعب، أو لفرد، لأي غرض، كما لا تجوز هبتها لأي جهة، لما يترتب على بيعها أو هبتها من مفاسد
سابعًا: يوصي المجمع بما يأتي:
أ- أن تمنع الدولة إجراء الفحص الخاص بالبصمة الوراثية إلا بطلب من القضاء؛ وأن يكون في مختبرات للجهات المختصة، وأن تمنع القطاع الخاص الهادف للربح من مزاولة هذا الفحص، لما يترتب على ذلك من المخاطر الكبرى.
ب- تكوين لجنة خاصة بالبصمة الوراثية في كل دولة، يشترك فيها المتخصصون الشرعيون، والأطباء، والإداريون، وتكون مهمتها الإشراف على نتائج البصمة الوراثية، واعتماد نتائجها.
ج- أن توضع آلية دقيقة لمنع الانتحال والغش، ومنع التلوث وكل ما يتعلق بالجهد البشري في حقل مختبرات البصمة الوراثية، حتى تكون النتائج مطابقة للواقع، وأن يتم التأكد من دقة المختبرات، وأن يكون عدد المورثات (الجينات المستعملة للفحص) بالقدر الذي يـراه المختصون ضروريًّا دفعًا للشك والله ولي التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد»([124]).
مجالات استعمال البصمة:
أما عن مجالات استعمال البصمة والفرق بينها وبين القيافة، فأبدأ من حيث انتهت مجموعة من السادة الفقهاء والأطباء – حفظهم الله -([125]) الذين اجتمعوا لمناقشة هذه القضية تحت مظلة المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في ندوة سميت «ندوة مدى حجية استخدام البصمة الوراثية لإثبات البنوة». وانتهت مناقشاتهم إلى التوصيات الآتية:
«1- أن كل إنسان يتفرد بنمط خاص في التركيب الوراثي ضمن كل خلية من خلايا جسده، لا يشاركه فيه أي شخص آخر في العالم ويطلق على هذا النمط اسم «البصمة الوراثية»، والبصمة الوراثية من الناحية العلمية وسيلة لا تكاد تخطئ في التحقق من الوالدية البيولوجية، والتحقق من الشخصية ولاسيما في مجال الطب الشرعي. وهي ترقى إلى مستوى القرائن القوية التي يأخذ بها أكثر الفقهاء – في غير قضايا الحدود الشرعية – وتمثل تطورًا عصريًّا عظيمًا في مجال القيافة الذي يذهب إليها جمهور الفقهاء في إثبات النسب المتنازع فيه، ولذلك ترى الندوة أن يؤخذ بها في كل ما يؤخذ فيه بالقيافة من باب أولى.
2- ترى حلقة النقاش أن يؤخذ بالبصمة الوراثية في حال تنازع أكثر من واحد في أبوة مجهول النسب إذا انتفت الأدلة أو تساوت.
3- استلحاق مجهول النسب حق للمستلحق إذا تم بشروطه الشرعية، وترتيبًا على ذلك فإنه لا يجوز للمستلحق أن يرجع في إقراره. ولا عبرة بإنكار أحد من أبنائه لنسب ذلك الشخص ولا عبرة بالبصمة الوراثية في هذا الصدد.
4- إقرار بعض الإخوة بأخوة مجهول النسب لا يكون حجة على باقي الإخوة ولا يثبت النسب، وآثار الإقرار قاصرة على المقر في خصوص نصيبه من الميراث، ولا يعتد في ذلك بالبصمة الوراثية.
5- عند عرض هذا الموضوع اختلفت وجهات النظر وتشعبت الآراء وطال النقاش في مضمون جواز استلحاق المرأة المجهول النسب على نحو رئي معه إعطاء هذه المسألة مزيدًا من الوقت للدراسة والتأمل.
6- لا تعتبر البصمة الوراثية دليلًا على فراش الزوجية؛ إذ الزوجية تثبت بالطرق الشرعية.
7- يرى المشاركون ضرورة توافر الضوابط الآتية عند إجراء تحليل البصمة الوراثية:
- أن لا يتم إجراء التحليل إلا بإذن من الجهة الرسمية المختصة. – أن يجري التحليل في مختبرين على الأقل ومعترف بهما، على أن تؤخذ الاحتياطات اللازمة لضمان عدم معرفة أحد المختبرات التي تقوم بإجراء الاختبار بنتيجة المختبر الآخر. – يفضل أن تكون هذه المختبرات تابعة للدولة، وإذا لم يتوافر ذلك يمكن الاستعانة بالمختبرات الخاصة الخاضعة لإشراف الدولة، ويشترط على كل حال أن تتوافر فيها الشروط والضوابط العملية المعتبرة محليًّا وعالميًّا في هذا المجال. – يشترط أن يكون القائمون على العمل في المختبرات المنوطة بإجراء تحاليل البصمة الوراثية ممن يوثق بهم علمًا وخلقًا، وألا يكون أي منهم ذا صلة قرابة أو صداقة أو عداوة أو منفعة بأحد المتنازعين، أو حكم عليه بحكم مخل بالشرف أو الأمانة»([126]).
وليس هناك فرق كبير فيما توصلت إليه الهيئتان الموقرتان (الرابطة والمنظمة الطبية) لكنه ليس إجماعًا من الحضور، فالقرارات تصدر في المجامع بالتوافق أو الأغلبية، ومن هذا المنطلق فإني أناقشها في الصفحات القادمة، مستحضرًا خطر الموضوع وضعف عارضتي ولكن لا بد للباحث من رأي.
تقرير دقة البصمة الوراثية في التحقق من الوالدية.
وأما التوصية الأولى الخاصة بدقة البصمة الوراثية، فأحب أن أضيف إليها أن التحقق بالنفي آكد من الإثبات فإنه دقيق من غير عنصر الخطأ البشري بنسبة 100%، فإذا اشترط تعدد المعامل كانت نسبة الدقة 100% كما أظهرت ذلك الدراسات المذكورة سابقًا. لذلك أتحفظ على وصف نتيجة الاختبار بالنفي بالقرينة القوية بل هي دليل قوي([127]).
ويتبع هذا التحفظ أن الاقتصار على استعمال البصمة الوراثية فيما تستعمل فيه القيافة غير صحيح؛ فإن القيافة يستعملها الجمهور في إثبات النسب عند التنازع إذا لم يكن أحد المتنازعين الزوج وكان الطفل مجهول النسب([128]).ولكن الدائرة التي يمكن استعمال البصمة الوراثية بها أوسع بكثير من ذلك؛ لما بين الطريقتين من الفرق بين ما هو قائم على الظن الغالب المقارب للشك وما هو قائم على القطع واليقين أو الظن الغالب المقارب لهما. وسواءٌ سميت البصمة دليلًا قياسًا على أدلة الإثبات الشرعية – وهو الأصوب – أو قرينة قوية، فإن من هذه القرائن ما هو أقوى من البينات؛ قال الإمام ابن القَيِّم – رحمه الله: «ولم يزل الأئمة والخلفاء يحكمون بالقطع إذا وجد المسروق مع المتهم، وهذه القرينة أقوى من البينة والإقرار»([129]). وسواء اتفقنا معه – رحمه الله – على عين هذا المثال أو لم نتفق، فإن في تطبيقات الطب الشرعي العديد من الأمثلة التي تثبت سلامة منحاه كما تقدم عند الكلام على حجية الدليل المادي.
وقبل أن أذكر أمثلة لما يمكن استعمال البصمة الوراثية به ينبغي التأكيد على الآتي:
أولًا: إذا كان النسب ثابتًا بأحد الوسائل الشرعية، ولم ينازع في ذلك الأب ولا الابن فلا يجوز لأحد أن يلجأ إلى البصمة ولا غيرها لتغييره؛ لما يؤدي إليه ذلك من قطيعة الأرحام وشيوع الريبة في المجتمع. ولا يجوز لغير الزوج – قبل إقراره – التشكيك في صحة نسب ثبت بالفراش. ومن شكك فيه، وإن كان الابن، فهو متعرض لسخط الله ومستحق لحد القذف.
ثانيًا: لا يجوز للأب أن ينفي ابنه أو يطلب التحقق من نسبه لمجرد الظن الضعيف أو لكون ابنه على غير لونه مع عدم وجود قرينة أخرى، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: «جاء رجل من بني فزارة إلى النبي ﷺ فقال: إن امرأتي ولدت غلامًا أسود! فقال النبي ﷺ: هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: فما لونها؟ قال: حُمْر، قال: هل فيها من أوْرَق؟ قال: إن فيها لوُرْقًا، قال: فأنى أتاها؟ قال: عسى أن يكون نَزَعه عِرْق، قال: وهذا عسى أن يكون نَزَعَهُ عِرْقٌ»([130]). أما إذا كانت هناك قرينة أخرى وصار ظنه غالبًا، فإن الحنابلة والشافعية([131]) يجيزون له أن ينفي الولد، وفي حالتنا هذه فالاستيثاق ممكن قبل النفي.
ثالثًا: لا يجوز للابن أن ينتفي من أبيه الذي ولد على فراشه؛ لأن الفراش أقوى الأدلة الشرعية على ثبوت النسب، ولما تستتبعه دعوى تصحيح النسب عندئذ من قطيعة وعقوق وشيوع للريبة في المجتمع، ولكون الرغبة من التحقق من نسب ثابت بالفراش من الوسوسة وتتبع العورات، وقد نهينا عن ذلك كله كما نهينا عن الطعن في الأنساب. أما إذا كان النسب ثبت بغير دليل الفراش، وقام دليل آخر يعارضه أقوى منه، فعندها يمكن اعتماد البصمة لحل النزاع متى كان صاحب الدعوى الوالد أو الولد، ومَنْع الفقهاء من استخدام القيافة لتصحيح نسب مستقر راجع إلى ضعفها، فلم تصلح لتعارض الأقوى منها كالبينة والإقرار والاستفاضة، لكن البصمة قد تصلح لمعارضة الإقرار مع عدم وجود الفراش وظهور ما يعارضه.
رابعًا: لا يجوز لغير الزوجين والأبناء اللجوء إلى البصمة لتحقيق نسب ثبت بأي من وسائل الإثبات الشرعية، فالشارع متشوف لإثبات النسب لا نفيه، متشوف إلى الستر لا هتكه. لذا فصاحب الدعوى لا بد أن يكون الوالد أو الولد مع كون الدعوى مما تسمح به الشريعة.
خامسًا: لا يجوز التصحيح الجماعي أو المسح العام للأنساب لما فيه من الفتنة وقطع الأرحام وفضح المستور وحصول البلبلة في المجتمع. أقول هذا، وإن كان على الفقهاء أن يتنبهوا إلى أن اليوم الذي تطبع فيه البصمة الوراثية على شهادة ميلاد كل طفل وتكون جزءًا من تحقيق هويته ربما لم يعد بعيدًا جدًّا، وستدفع إليه أنظمة الحكم لمصلحة الأمن ومنع الجريمة والاحتيال وانتحال شخصية الغير، فعلى المجتمع بكل شرائحه، وعلى رأسهم الفقهاء، أن يعدوا لمثل هذا اليوم.
سادسًا: لا ينبغي في المجتمع المسلم – الذي يحرص على الستر وحفظ الأعراض وحرمة البيوت – أن يكون حق إجراء هذه التحليلات المعملية([132]) متروكًا للأفراد، بل ينبغي أن يكون بيد القضاة الشرعيين وحدهم، وإلا حصل من الفتن والفساد الشيء العظيم.
سابعًا: البصمة الوراثية لا ينبغي أن تكون دليلًا لثبوت النسب ابتداءً ولكن تستعمل عند التنازع أو ضياع النسب. وإن الحكم بالقيافة والقرعة إنما كان عند التنازع؛ والبصمة كذلك، وإن كانت تطبيقاتها أكثر لقوتها ولكنها ليست بديلًا منفردًا عن أدلة الثبوت المستقرة كالفراش والبينة والاستفاضة والإقرار، وإن صلحت لمعارضة بعضها عند التنازع. وعليه، فإنها تصلح لإثبات النسب مع الإقرار أو غيره من الأدلة، فإذا لم يكن ثمة فراش أو إقرار أو بينة، ضيق على الوالد حتى يقر، وإلا لم يثبت النسب بها وحدها.
أما المواطن التي يمكن استخدام البصمة الوراثية فيها دون القيافة فهي فيما يظهر لي:
1- نفي الوالد لولده: إن العمل بالبصمة الوراثية لن يلغي حكم اللعان، ولكنه سيساعد في تطبيقه. (انظر تفصيل ذلك عند الكلام على اللعان).
2- الاستلحاق: أما قولهم – حفظهم الله – في التوصية الثالثة: إن استلحاق مجهول النسب حق للمستلحق إذا تم بشروطه الشرعية، فصحيح، ولكن إذا استلحق الولد رجلان فيعمل بالبصمة؛ وكذلك إذا ظهرت قرائن كذب المستلحق أو كذبته زوجه لقطع التنازع؛ وإذا ادعى لقيطًا واحتاج إلى بينة – كما هو عند المالكية – احتكم إلى البصمة. وقد يسوغ اشتراط البصمة عند الاستلحاق، فالفقهاء اشترطوا فيه ألا يكذبه العقل أو الحس([133]) أو الشرع([134])، فإن كذبته البصمة لم يثبت. وقد يعارض بأن الشارع متشوف لإثبات النسب والمستلحق له حق الاستلحاق ما كانت أبوته ممكنة. لكن يبقى أنه إن لم يكن الأب الحقيقي فإنه يدخل على قومه من ليس منهم ويكون هذا المُقَر له([135]) محرمًا لزوجه وبناته وليس بينهم علاقة. وقد يسبق رجل أو امرأة إلى استلحاق مجهول النسب كما في الحروب وغيرها من الكوارث، فيثبت بذلك النسب، ويحرم الوالد الحقيقي الذي تأخر في الدعوى من حقه([136]).
3- الولد يستلحقه إنسان ثم يبلغ ويظهر له أنه ليس أباه وأن أباه غيره: فقد يكون له أن يطلب الاستيثاق. وذلك أن هذا الولد الذي بلغ وظهر له أنه نسب إلى غير أبيه بين مفسدتين: الأولى نقض نسب ثبت بطريقة شرعية والثانية أن يدعي إلى غير أبيه وهو يعلم. قال رسول الله ﷺ: «مَن ادَّعَى إِلى غَيْرِ أَبِيهِ أَو انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ والمَلائِكَةِ والنَّاسِ أجمَعِين لا يَقْبَلُ اللهُ مِنهُ يَومَ القِيَامَةِ صَرْفًا ولا عَدْلًا»([137]). فإن كان ظنه غالبًا أنه ليس ابن الذي استلحقه، فله أن يطالب بتصحيح النسب (سبق أن بينا أن هذا إذا لم يكن النسب ثبت بالفراش، فالنسب الثابت بالفراش لا يحل الطعن فيه من قبل أحد سوى صاحب الفراش).
4- تفيد البصمة الوراثية في تحديد أنساب مجهولي النسب من اللقطاء: فيسهل على السلطات التعرف على آباء لقيط ترك بجانب مسجد أو غيره، وفي ذلك حفظ لحقه وتحميل الوالدين مسؤوليته ورفع العبء عن كاهل المجتمع. على أن النسب سيثبت بالفعل ببينة أو إقرار.
5- إذا تنازع رجل وزوجه في ولد: فادعت أنه ولدها من غيره وادعى أنه ولده من غيرها – وذلك في ولد سابق على زواجهما – ولم تكن لأحدهما بينة قضي بينهما بالبصمة. أو ادعى الزوج على امرأته أنها حملت بالولد قبل الزواج أو بعد الطلاق.
6- في حالة وطء امرأة متزوجة بشبهة: فيمكن عندها للبصمة أن تنسب الولد إلى الزوج أو الواطئ بشبهة([138]).
أما قولهم – حفظهم الله – في التوصية الرابعة: «إقرار بعض الإخوة بأخوة مجهول النسب لا يكون حجة على باقي الإخوة ولا يثبت النسب، وآثار الإقرار قاصرة على المقر بخصوص نصيبه من الميراث، ولا يعتد في ذلك بالبصمة».
فإن المرء يتردد في ذلك، وقد يكون وجيهًا، فالإقرار حجة قاصرة على المُقِر، وحتى مع وجود البصمة وإمكان التثبت فقد يقال إن الحقوق الاجتماعية لا تفرض على الناس بالوسائل التقنية مجردة من الاعتبارات الأخرى، فمجهول النسب هذا الذي لا يمكن إلحاقه بأبيه بأحد الأدلة الشرعية السابق ذكرها، وقد مات أبوه فلا نستطيع أن نلزمه بمسؤوليته الآن تجاه الولد، والورثة نشؤوا لا يعرفون أن لهم أخًا آخر، فظهور أخ أو إخوة الآن فجأة، مع عدم كون أمه فراشًا أو عدم القدرة على إثبات ذلك أمر يؤدي إلى اضطراب في العلاقات الاجتماعية، ولا يمكن أن يجبر هؤلاء على قبول ذاك الأخ إلا عن رضى، لكن يقال إنهم إذا أرادوا التحقق من النسبة الطبيعية لهذا الأخ المزعوم بأبيهم فلهم طلب الاستيثاق عن طريق البصمة. وقد يعارض ذلك بأن بعض الفقهاء يجعلون إقرار أخوين أو أخ وشخص آخر بينة على النسب، فهل إقرار أخ وتأييد البصمة له بينة؟ وهل ادعاء الولد البنوة وتأييد البصمة يثبت النسب؟ لا شك أنه محتمل سيما عند من يرى أن نسب ولد الزنا يثبت للزاني ما لم تكن الأم فراشًا لغيره.
أما توقفهم – حفظهم الله – في التوصية الخامسة في جواز استلحاق المرأةِ المجهولَ النسب، فهذا الموضوع متشعب وأهل العلم اختلفوا فيه قديمًا، قال الغَزالِيّ – رحمه الله: «وفي استلحاق المرأة ثلاثة أوجه [أي عند الشافعية] أحدها الصحة كالرجل، والثاني لا لأن الولادة يمكن إثباتها بالشهادة بخلاف الأب، والثالث أنها إن كانت خلية من الزوج لحقها وإن كانت ذات زوج فلا يمكن الإلحاق بها دون الزوج، ولا يمكن الإلحاق بالزوج مع إنكاره»([139]).
والذي يظهر لي أن المرأة قد تعجِز في بعض الأحيان عن إثبات الوِلادة بالشهادة؛ كأن تكون وَلَدَت من غير حضور أحدٍ أو ماتت القابلة أو حصل لُبس في المستشفى أو غير ذلك. وعندها فإن استعمال البصمة يكون مناسبًا؛([140]) فإن كانت خَلِية من الزوج جرى في حقها الخلاف الحاصل في المرأة تحمل ولا زوج لها وإن كانت ذات زوج فإما أن يقر بالطفل أو ينفيه، وفي حالة نفيه يلجأ إلى البصمة ولا تلزمه للإقرار.
إن التقدم الطبي قد يسر لنا سبلًا ووسائل للتوصل إلى الحقيقة وإقامة العدل، مثل بصمات الأصابع التي تستخدم ضمن الأدلة الجنائية في كل أنحاء العالم. والبصمة الوراثية توصلنا إلى التأكد من صاحب النطفة التي كان منها الولد، ومن ثم يلحق به الولد الذي لا والد له غيره أو المتنازع فيه بين متساويين في الحق. وإن مقصود الشارع هو إقامة العدل والتوصل إلى الحقيقة فأيما وسيلة أوصلت إلى ذاك المقصود فحكمها حكمه([141]) ما لم تكن حرامًا أو ملغاة بدليل من الوحي. وفي نفس الوقت فإن ثبوت النسب بالفراش هو أقوى أنواع الثبوت، والنصوص ظاهرة على عدم التعرض لهذا النسب بالتشكيك. وإن التمسك بذلك ليس لترقيع الواقع على حساب الحقيقة، بل هو من موافقة حكمة الشارع في الحفاظ على سلامة المجتمع والأسرة وطرح الوسوسة والريبة.
هذا ما ترجح لدي بشأن الاستفادة من التطور الطبي المتعلق بالبصمة الوراثية في تحقيق مقصود الشارع بحفظ الأنساب وعدم اختلاطها، والله تعالى أعلم.
نفي النسب باللـعان:
المادة رقم (15): اللعان أن يقسم الرجل أربع مرات بالله أنه صادق فيما رمى زوجته به من الزنا، وأن الولد الذى جاءت به ليس منه، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ويدرأ عن زوجته العذاب أن تقسم أربع مرات بالله إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين.
المادة رقم (16): للرجل أن ينفي عنه نسب الولد باللعان خلال أسبوع من تاريخ الولادة أو العلم بها شريطة أن لا يكون قد اعترف بأبوته له صراحة أو ضمنا، كما لو هنأه أحد به فشكره، أو سكت ولم ينكر، أو مضت مدة يتمكن فيها من الإنكار، فلم يفعل بعد علمه بالولادة، وتقدم دعوى اللعان خلال أسبوعين من تاريخ العلم بالولادة.
المادة رقم (17): يترتب على اللعان نفي نسب الولد عن الرجل، والتفريق النهائي بينه وبين زوجته مع تأبيد الحرمة بينهما.
المادة رقم (18): يثبت نسب الولد ولو بعد الحكم بنفيه إذا أكذب الرجل نفسه.
المادة رقم (19): لا يجوز شرعا الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب. ولا يجوز تقديمها على اللعان، لكن يجوز الاستعانة بالبصمة الوراثيةكقرينة من القرائن التي قد تؤيد الزوج في طلبه اللعان، أو قد تدل على خلاف قولهفيكون مدعاة لعدوله عن اللعان.
البصمة الوراثية ونفي الوالد لولده
أولا البصمة عند تعذر اللعان
ليس الانتفاء من الولد ممكنًا على الدوام بل إن هناك أحوالا لا يستطيع فيها الرجل، عند بعضهم، أن يلاعن المرأة، كمثل نكاح الشبهة عند الحنفية([142])،لأنها لا يصدق عليها أنها زوجته، فلا ينطبق عليه – عندهم وإن كان خلاف الصواب – قول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾[النور: 6]. ومن ثم فإن هذا الرجل قد نلزمه بنسب ولدٍ قد يكون على يقين أنه ليس ولده رَغم إمكان التثبت في زماننا هذا عن طريق استعمال البصمة الوراثية.
ثانيًا البصمة أم اللعان
إن العمل بالبصمة الوراثية لن يلغي حكم اللعان([143])، ولكنه سيساعد في تطبيقه.
إن الله تعالى يقول: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [النور: 6].
فاللعان إذًا لا يلجأ إليه إلا عند تعذر البينات. ولم يكن نفي الزوج الولد المولود على فراشه ممكنًا من غير شهود([144]) ولذلك شرع الله اللعان، أما وقد أنعم الله علينا بوسيلة أقرب إلى التوصل للحقيقة وإقامة العدل، فالواجب الأخذ بها، فيشترط القاضي على الملاعن الذي يريد أن ينتفي من ولده أن يجري فحوص البصمة، فإن أظهرت عدم أبوته للولد، فعندها يلاعن ووجه ذلك أنه حتى لو أقرت المرأة بالزنا من غير لعان، فإن الولد لا ينتفي إلا باللعان، وهذا الحكم لردع الرجال عن الانتفاء إلا عند أشد الظروف، ففي اللعان أمام الخلق ما فيه مما يحجز أكثر الناس عنه. وإنه لو اكتفي بالبصمة في الانتفاء لاستسهل ذلك كثير من الناس.
أما إذا أثبتت البصمة أبوته للولد، فلا يجوز له أن ينتفي من الولد([145]) وإن جاز أن يلاعن للتفريق بينه وبين زوجه وإسقاط حد القذف عن نفسه، وذلك لأنها ربما زنت ولكن الولد جاء من زوجها الذي جامعها في نفس الطهر الذي زنت فيه.
أما الملاعن لغرض تهمة الزوجة بالزنا دون الانتفاء من ولد فلا شأن للبصمة الوراثية به.
وهل يأمر القاضي الملاعن أثناء حمل امرأته بالتربص حتى تلد وتُجْرَى فحوص البصمة؟ لعل هذا لن يُحْتاج إليه عمليًّا، فإن عينة من المشيمة – والتي تؤخذ والجنين في الرحم – يمكن أن تُجْرى عليها تلك الفحوص. أما إذا تعذر ذلك، فلا يستبعد أن يأمر القاضي الملاعن بالتربص، فإن الحنفية لا يجيزون ملاعنة الحامل أصلًا وهو المشهور عند الحنابلة خلافًا للمالكية والشافعية([146])، وهذا وإن كان القول الثاني هو الأقوى لأنه ظاهر من الحديث أن هلالا – رضي الله عنه – لاعن وامرأته حامل، ولذا قال ﷺ: «انظروه فإن جاءت به…» ولكن ولي الأمر له أن يمنع سماع بعض الدعاوى([147])، وهو هنا لا يزيد على تأجيل سماع الدعوى.
والسؤال الآخر هنا هو ماذا لو ثبت أن الولد ليس ابن الزوج، هل يقام الحد على الزوجة؟
والجواب أن أمر البصمة ليس متفقًا عليه، وكفى بذلك شبهةً تدرأ الحد، ولا يتصور أن يحصل الإجماع على مثل هذا، كأكثر قضايا النوازل التي ليس فيها نص صريح، ولذلك ستبقى إقامة الحدود – دون درئها – خارج دائرة استعمال البصمة الوراثية فيما أراه. أما لو اتفقوا على كونها دليلًا، فيجري فيها الخلاف الجاري في الحمل يظهر على المرأة لا زوج لها هل تحد.
([1]) «مُعْجَم مَقَاييس اللُّغَة» لابن فَارِس (5/424).
([2]) «مختار الصِّحَاح» للرازِيّ (1/273).
([3]) انظر «البصمة الوراثية ومدى مشروعية استخدامها في النسب والجناية» لعمر بن محمد السبيل (ص7).
([4]) «سُنَن أبي دَاوُد» كتاب الطلاق، باب من قال بالقرعة إذا تنازعوا في الولد، (2/181 رقم 2269 (، وصححه الألبَانِيّ (انظر «سُنَن أبي دَاوُد» بتحقيق مشهور، رقم 2269).
([5]) «الطُّرُق الحُكمِيَّة» لابن القَيِّم (1/341).
([6]) «المُبْدِع» لابن مُفْلِح، إبراهيم (8/87).
([7]) انظر بحث د. سعد الدين هلالي المقدم إلى ندوة مدى حجية استخدام البصمة الوراثية لإثبات البنوة – المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية 3، 4/5/2000م. أو كتابه الموسوم بـ «البصمة الوراثية وعلائقها الشرعية» (ص276).
([8]) «المُغْنِي» لابن قُدامة (8/58).
([9]) متفق عليه من حديث سعد بن أبي وقاص.
([10]) الفراش: هو قيام حالة الزوجية، وهو سبب لثبوت النسب، ومظنة الوطء وقام عند الفقهاء مقامه لأن العلاقة الزوجية قائمة على الستر. قال الشيخ أبو زَهْرَة في «الأحوال الشخصية»: «أما العقد الصحيح فقد اتفق الفقهاء على أنه السبب في ثبوت النسب للولد الذي يولد في أثناء قيام الزوجية ولكنهم اختلفوا في اشتراط الدخول أو إمكان الدخول» (ص386-387). ومن الفراش، النكاح الفاسد والوطء بشبهة حل المحل – كمن وطئ أمة ابنه – وشبهة حل الفعل – كمن وطئ امرأة يظنها امرأته – عند الجمهور خلافًا للأحناف وشبهة حل العقد – كمن وطئ خالته بعد عقده عليها – عند الأحناف خلافًا للجمهور.
([11]) البينة: هي شهادة رجلين أو رجل وامرأتين أن فلانًا ابن فلان؛ وتقبل في الولادة شهادة امرأة واحدة مرضية عند الأكثرين. انظر«المُبْدِع» (8/87)، انظر الخلاف بين أبي حنيفة الراد لشهادتها وصاحبيه في «الهِدَايَة شَرْحُ البِدَايَة» (2/35).
([12]) الإقرار: اعتراف الأب بأبوة الولد، أو بعض الورثة أو جميعهم بأنه أخوهم من أبيهم. انظر «بدائع الصنائع» للكَاسَانِيّ (6/242)، «شَرح مُخْتَصَر خَلِيل» للخَرَشِيِّ (6/100)، «حَاشِيَة الدُّسُوقِيّ» (3/412).
([13]) الاستفاضة: هي انتشار العلم بين الناس أن فلانًا ابن فلان. انظر «فَتْح البَارِي» (5/254)، «الإنْصَاف» للمِرداوِيِّ (12/12).
([14]) القيافة: معرفة النسب بالشبه، والكلام هنا على قيافة البشر وهناك قيافة الأثر.
في «أبجد العلوم»: «وقيافة البشر -وهي المرادة ههنا- وهو علم باحث عن كيفية الاستدلال بهيئات أعضاء الشخصين على المشاركة والاتحاد بينهما في النسب والولادة في سائر أحوالهما وأخلاقهما…وحصول هذا العلم بالحدس والتخمين لا بالاستدلال واليقين» «أبجد العلوم» (2/436).
([15]) انظر «شَرح فَتْح القَدِير» لابن الهُمَام (5/50)، «الوَسِيط» للغَزالِيّ (7/455).
([16]) انظر «الوَسِيط» للغَزالِيّ (7/455 – 456).
([17]) «البُخَارِيّ» كتاب الصوم، باب تفسير المشبهات (2/724)؛ «مُسْلِم» كتاب النكاح، باب الولد للفراش (2/1080(.
([18]) «الأحوال الشخصية» لأبي زَهْرَة (ص386).
([19]) انظر بحث د. سعد هلالي (سبق)؛ أو كتابه الموسوم «البصمة الوراثية وعلائقها الشرعية» (ص233 و241).
([20]) «حَاشِيَة الدُّسُوقِيّ» (4/319)، «الهِدَايَة شَرْحُ البِدَايَة» للمَرْغِينانِيّ (2/35)، «الأحوال الشخصية» لأبي زَهْرَة (ص389).
([21]) انظر «حَاشِيَة الدُّسُوقِيّ» (4/319)، «المُبْدِع» لابن مُفْلِح، إبراهيم (8/106)، «الأحوال الشخصية» لأبي زَهْرَة (ص388).
([22]) انظر «المُغْنِي» لابن قُدامة (8/58) وانظر «مُغْنِي المُحْتاج» للشِّرْبِينِيِّ (3/382).
([23]) انظر «الفقه على المذاهب الأربعة» للجزيري (5/124).
([24]) انظر «الفَتَاوَى الكُبْرَى» لابن تَيمِيَّة (4/585)، «الأحوال الشخصية» لأبي زَهْرَة (ص387).
([25]) «المَبسُوط» للسَّرَخْسِيِّ (30/51)؛ و«فَتْح القَدِير» لابن الهُمَام (4/359).
([26]) «مَوَاهِب الجَلِيل» للحَطَّاب (6/411)؛ و«الاسْتِذْكَار» لابن عبد البَرّ (7/173).
([27]) «الأُمّ» للشافعي (5/234)؛ و«تُحْفَة المُحْتاج» للهَيتَمِيّ (6/423).
([28]) «مسائل الإمام أحمد رواية ابنه صالح» (1/289)؛ و«كشَّاف القِنَاع» للبُهُوتِيِّ (4/356).
([29]) «المُحَلَّـى» لابن حَزْم (10/315).
([30]) انظر المصادر السابقة؛ و«الحاوي الكبير» للماوَرْدِيّ (11/204)، و«مَجْمُوع الفَتَاوَى» لابن تَيمِيَّة (34/10).
([31]) «الحاوي الكبير» للماوَرْدِيّ (11/204).
([32]) «الحاوي الكبير» للماوَرْدِيّ (11/204-205).
([33]) «تُحْفَة المَوْدُود» لابن القَيِّم (ص265).
([34]) «سُنَن البَيْهَقِيّ الكُبْرَى» كتاب العدد، باب ما جاء في أقل الحمل (7/442).
([35]) انظر «تَلْخِيص الحَبِير» لابن حَجَر (3/219).
([36]) انظر «تاريخ الخلفاء» للسُّيُوطِيّ (1/215)؛ و«تاريخ الإسلام» للذَّهَبِيّ (6/142).
([37]) «الحاوي الكبير» للماوَرْدِيّ (11/204-205).
([38]) Gestational age.
([39]) conceptional age.
([40]) «الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية» بحث د/ نبيهة عبد الجبار (ص759).
([41]) انظر «أحكام المرأة الحامل وحملها» للدكتور عبد الرشيد قاسم (ص109).
([42]) باشر الباحث رعاية خدج وزنهم دون الخمسمائة جرام.
([43]) «الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية» بحث د/نبيهة عبد الجبار (ص438).
([44]) «أحكام المرأة الحامل في الشريعة الإسلامية» ليحيى الخطيب (ص99).
([45]) Perinatal Care at the Threshold of Viability [Journal]/auth. Hugh MacDonald MD, and the Committee on Fetus and Newborn//PEDIATRICS. – USA: AMERICAN ACADEMY OF PEDIATRICS، Nov. 2002. – 5: Vol. 110.
Trends in neonatal morbidity and mortality for very low birthweight infants [Journal]/auth. Fanaroff AA Stoll BJ, …//American Journal of Obstetrics and Gynecology. – USA: Mosby، 2007. – 2: Vol. 196. – PMID: 17306659.
Prenatal Consultation at the Limits of Viability [Journal]/auth. Halamek Louis//NeoReviews. – USA: American Academy of Pediatrics، 2003. – 6: Vol. 4.
([46]) Baptist Hospital of Miami, Fact Sheet. 2006
([47]) انظر «الاسْتِذْكَار» لابن عبد البَرّ (7/173).
([48]) انظر: «مَجْمُوع الفَتَاوَى» لابن تَيمِيَّة (19/267).
([49]) «تُحْفَة المُحْتاج» للهَيتَمِيّ (6/423).
([50]) «كشَّاف القِنَاع» للبُهُوتِيِّ (4/356). وما بين الأقواس من كلام صاحب الإقناع، الإمام الحجاوي.
([51]) «تُحْفَة المَوْدُود» لابن القَيِّم (ص265).
([52]) Perinatal Care at the Threshold of Viability [Journal]/auth. Hugh MacDonald MD, and the Committee on Fetus and Newborn//PEDIATRICS. – USA:AAP. Nov. 2002. – 5: Vol. 110.
Trends in neonatal morbidity and mortality for very low birthweight infants [Journal]/auth. Fanaroff AA Stoll BJ,…
([53]) «المُحَلَّـى» لابن حَزْم (10/316).
([54]) «أحْكَام القُرآن» للقُرْطُبِيّ (9/287).
([55]) «المُحَلَّـى» لابن حَزْم (10/316)؛ و«أحْكَام القُرآن» للقُرْطُبِيّ (9/287)؛ و«بِدَايَة المُجْتَهِد» لابن رُشْد (2/268).
([56]) انظر «بِدَايَة المُجْتَهِد» لابن رُشْد (2/268)؛ و«أحْكَام القُرآن» للقُرْطُبِيّ (9/287)؛ و«المُحَلَّـى» لابن حَزْم (10/316).
([57]) «المَبسُوط» للسَّرَخْسِيِّ (30/51).
([58]) «المُغْنِي» لابن قُدامة (6/260).
([59]) «المُغْنِي» لابن قُدامة (8/98)؛ ونسب ابن حَزْم إليه خمس السنين «المُحَلَّـى» (10/316).
([60]) «الأُمّ» للشافعي (5/234).
([61]) «كشَّاف القِنَاع» للبُهُوتِيِّ (4/356)؛ و«المُغْنِي» لابن قُدامة (6/260 و8/98).
([62]) «المُدَوَّنَة الكُبْرَى» أجوبة مالك برواية سَحْنُون (5/443)؛ وانظر «المُغْنِي» لابن قُدامة (8/98).
([63]) «المُدَوَّنَة الكُبْرَى» أجوبة مالك برواية سَحْنُون (5/443).
([64]) «بِدَايَة المُجْتَهِد» لابن رُشْد (2/268)، وهذا غير اختياره الشخصي.
([65]) «أحْكَام القُرآن» للقُرْطُبِيّ (9/287).
([66]) «بِدَايَة المُجْتَهِد» لابن رُشْد (2/268)، «المُحَلَّـى» لابن حَزْم (10/316)، «أحْكَام القُرآن» للقُرْطُبِيّ (9/287).
([67]) «تُحْفَة المَوْدُود» لابن القَيِّم (ص219).
([68]) «أحْكَام القُرآن» للقُرْطُبِيّ (9/287).
([69]) «المُحَلَّـى» لابن حَزْم (10/316).
([70]) «المُحَلَّـى» لابن حَزْم (10/316).
([71]) استدل له بذلك ابن رُشْد في «بِدَايَة المُجْتَهِد» (2/268).
([72]) «سُنَن البَيْهَقِيّ الكُبْرَى» كتاب العدد، باب ما جاء في أكثر الحمل (7/443).
([73]) «البَدْر المُنِير» لابن المُلَقِّن (8/227).
([74]) «المُحَلَّـى» لابن حَزْم (10/316).
([75]) «سُنَن البَيْهَقِيّ الكُبْرَى» كتاب العدد، باب ما جاء في أكثر الحمل (7/443).
([76]) «سُنَن البَيْهَقِيّ الكُبْرَى» كتاب العدد، باب ما جاء في أكثر الحمل (7/443).
([77]) «المُحَلَّـى» لابن حَزْم (10/316).
([78]) روى البَيْهَقِيّ أن أم مالك بن أنس حملت به ثلاث سنين، انظر: «السُّنَن الكُبْرَى» كتاب العدد، باب ما جاء في أكثر الحمل (7/443).
([79]) «سُنَن الدَّارَقُطْنِيّ» كتاب النكاح (3/311).
([80]) «البَدْر المُنِير» لابن المُلَقِّن (8/228-229).
([81]) «سُنَن البَيْهَقِيّ الكُبْرَى» كتاب العدد، باب ما جاء في أكثر الحمل (7/443).
([82]) «مُصَنَّف عبد الرَّزَّاق» كتاب الطلاق، باب الطلاق مرتان (6/339).
([83]) «سُنَن البَيْهَقِيّ الكُبْرَى» كتاب العدد، باب ما جاء في أكثر الحمل (7/443).
([84]) «المُحَلَّـى» لابن حَزْم (10/316).
([85]) «تُحْفَة المَوْدُود» لابن القَيِّم (1/269).
([86]) «مجلة التايم الأمريكية» الخامس من مارس سنة 1945م.
([87]) انظر «الموسوعة الطبية الفقهية» (ص376).
([88]) انظر «الموسوعة الطبية الفقهية» (ص376).
([89]) «أحكام المرأة الحامل في الشريعة الإسلامية» (ص106).
([90]) «الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية» ثبت كامل لأعمال الندوة المنعقدة بشعبان 1407هـ، بحث د/نبيهة عبد الجبار (ص436). والأسبوع (44) هو (42) من الجماع وهو دون عشرة الأشهر.
([91]) Gabbe: Obstetrics: Normal and Problem Pregnancies [Book]/auth. Divon Michael Y.. – Philadelphia: Churchill Livingstone an imprint of Elsevier، 2007. – 5.
([92]) انظر «الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية» ثبت كامل لأعمال الندوة المنعقدة بشعبان 1407هـ (ص437)، والمصدر السابق.
([93]) «الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية» ثبت كامل لأعمال الندوة المنعقدة بشعبان 1407هـ (ص759).
([94]) «أثر التقنية الحديثة في الخلاف الفقهي» باب النكاح، المبحث الخامس. وانظر: «الموسوعة الطبية الفقهية» (ص376).
([95]) «الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية» ثبت كامل لأعمال الندوة المنعقدة بشعبان 1407هـ، جلسة المناقشات (ص682).
([96]) للمزيد عن الحمل الكاذب انظر «بحوث فقهية في مسائل طبية معاصرة» للمحمدي، (ص125)، و«الموسوعة الطببية الفقهية» لكنعان (ص376)، و«الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية – ثبت كامل لأعمال الندوة المنعقدة بشعبان 1407 هـ» (ص682).
([97]) «شرح فَتْح القَدِير» لابن الهُمَام (4/362).
([98]) «تُحْفَة المَوْدُود» لابن القَيِّم (1/267).
([99]) انظر توصيات ندوة الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية «الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية – ثبَت كامل لأعمال الندوة المنعقدة بشعبان 1407 هـ» (ص367).
([100]) انظر: «خلق الإنسان بين الطب والقرآن» للبار (ص367).
([101]) المالكية يجعلون الحمل قرينة على الزنا توجب الحد، إلا أن تثبت المرأة براءتها من الزنا.
([102]) «صَحِيح البُخَارِيّ» كتاب الصوم، باب تفسير المشبهات (2/724)؛ و«صَحِيح مُسْلِم»كتاب النكاح، باب الولد للفراش (2/1080).
([103]) انظر بحث د. سعد الدين هلالي (سبق). أو كتابه الموسوم «البصمة الوراثية وعلائقها الشرعية» (ص357). وانظر اختيار شيخ الإسلام ابن تَيمِيَّة في «مَجْمُوع الفَتَاوَى» (3/176).
([104]) «سُنَن أبي دَاوُد» كتاب الطلاق، باب من قال بالقرعة إذا تنازعوا في الولد، (2/181). وصححه الألبَانِيّ، انظر «سُنَن أبي دَاوُد» بتحقيق مشهور (رقم 2269).
([105]) «سُنَن أبي دَاوُد» كتاب الطلاق، باب في اللعان (2/276). وصححه الألبَانِيّ، انظر «سُنَن أبي دَاوُد بتحقيق مشهور» (2254).
([106]) انظر «نهاية المُحْتاج» للرَّمْلِيّ (5/108) وقال فيه: «وعلم مما تقرر عدم صحة استلحاق منفي بلعان ولد على فراش نكاح صحيح لما فيه من إبطال حق النافي إذ له استلحاقه».
([107]) «سُنَن البَيْهَقِيّ الكُبْرَى» كتاب الدعوى والبينات، باب القافة ودعوى الولد (10/263).
([108]) قال الشيخ ابن عُثَيْمِين – رحمه الله -: «وقول النبي – صلى الله عليه وسلم – : «الوَلَدُ للفِراشِ وللعَاهرِ الحَجَر» هل هذا عام سواء ادعاه صاحب الفراش أم لم يدعه أو خاص فيما إذا ادعـاه صاحب الفراش؟ بمعنى: أنه لو كانت المزني بها لا فراش لها وادعى الزاني أن الولد ولده فهل يلحق به؟ الجمهور على أنه عام، وأنه لا حق للزاني في الولد الذي خُلق من مائـه، وذهب بعض العلماء إلى أنّ هذا خاص بالمخاصمة، يعني إذا تخاصم الزاني وصاحب الفراش قضينا به لصاحب الفراش، أمّا إذا كان لا منازع للزاني واستلحقه الزاني فله ذلك ويلحق بـه، وهذا القول هو الراجح المناسب للعقل وكذلك للشرع عند التأمل.» اهـ (من موقع الشيخ على الشبكة).
([109]) انظر «بدائع الصنائع» للكَاسَانِيّ (6/242)؛ و«شَرح مُخْتَصَر خَلِيل» للخَرَشِيِّ (6/100)؛ و«حَاشِيَة الدُّسُوقِيّ» (3/412).
([110]) الإلحاق: هو إلحاق الابن بأبيه الذي ادعاه وإن لم يكن زوجًا.
([111]) من بني مُدْلِج وكانوا معروفين بتميزهم في فن القيافة.
([112]) «الوَسِيط» للغَزالِيّ (7/454-455).
([113]) «المُعْجَم الوَسِيط» (ص60).
([114]) من موقع المتحف القومي للصحة بالولايات المتحدة www. accessexcellence.org.
([115]) انظر موقع www.nifs.com التابع للمعهد القومي لعلوم الطب الشرعي بالولايات المتحدة (Natural Institute of Forensic Sciences).
([116]) التقرير الذي نشر نتائج هذه السنوات 1997، 1998، 1999 هو:
A report of the 1997,1998,1999 Paternity testing workshops of the Englishspeaking working group of the International society for forensic Genetics.
([117]) Cape Cod Times May 5, 2004
([118]) هو: Francis Delano
([119]) انظر الكلام في صدر الباب عن حجية الدليل المادي.
([120]) اليقين طرفان: ثبوت ونفي، وبينهما واسطة، وهي الشك، وفوقها الظن (الغالب) ودونها الوهم.
([121]) «تُحْفَة المُحْتاج في شرح المِنهاج» للهَيتَمِيّ (10/350).
([122]) حلقة مناقشة لمجلس المجمع الفقهي التابع للرابطة في دورته الخامسة عشرة.
([123]) «الطُّرُق الحُكمِيَّة» لابن القَيِّم (1/333).
([124]) رقم القرار: 7 رقم الدورة: 16 مجلس المجمع الفقهي الإسلامي – مكة المكرمة، في المدة من 21-26/10/1422هـ.
([125]) أسماء المشاركين في الحلقة النقاشية: د. عبد الرحمن العوضي رئيس المنظمة ، د. صديقة العوضي ، د. أحمد السعيد شرف الدين ، د. عبد الرزاق الشيجي ، د. أحمد حجي الكردي ، المستشار عبد الله العيسى ، د. أحمد رجائي الجندي ، د. عجيل جاسم النشمي ، د. حسن الشاذلي ، د. علي يوسف السيف ، د. حسين الجزائري د. كمال الزناتي ، د. خالد المذكور ، د. كمال نجيب ، د. رزق النجار ، الشيخ محمد المختار السُّلامِيّ ، د. سيد مصطفى آبادي ، د. محمد سليمان الأشْقَر ، د. سعد الدين مسعد هلالي ، د. محمد عبد الغفار الشريف ، د. سعد العنزي ، د. محمد رأفت عثمان ، الأستاذ سامح هلال ، د. محمد هيثم الخياط ، د. صلاح العتيقي ، د. نصر فريد واصل.
([126]) «الحلقة النقاشية حول حجية البصمة الوراثية في إثبات النسب» (ص260-262).
([127]) الجمهور يفرقون بين البينات والقرائن ويجعلون البينة محصورة في الشهادة ويرى البعض أن حصرها فيها لا ينتهض له دليل من الوحي. وأدلة الإثبات في الشرع تشمل البينات وغيرها، والمشكلة هنا هي أن تسمية وسيلة تقضي بنسبة 100% في عين المتنازع عليه بالقرينة فيه من توهينها وتزهيد الحكام فيها ما فيه، مما يباعد بينهم وبين تحصيل مقصود الشارع من إقامة العدل. وفي هذا الصدد يقول د. محمد رأفت عثمان: «إذا كان هذا [قطعية البصمة الوراثية] ثابتًا في رأيهم [أطباء المسلمين]، لنا أن نفتي بناءً على هذا أنها دليل وبأنها أقوى من الشهادة». «الحلقة النقاشية حول حجية البصمة الوراثية في إثبات النسب» (ص103).
([128]) «الوَسِيط» للغَزالِيّ (7/455، 456، 457).
([129]) «الطُّرُق الحُكمِيَّة» لابن القَيِّم (1/8). والجمهور لا يرون رأيه كما سبق في صدر الباب.
([130]) «صَحِيح البُخارِيّ» كتاب النكاح، باب إذا عرض بنفي الولد (5/2032). والحديث يستدل به على غلق الباب أمام تصحيح النسب سيما إذا كان الفراش دليل ثبوته. والشبه الذي يعمل به في القيافة سقط اعتباره هنا لوجود المعارض الأقوى وهو الفراش.
([131]) انظر «المُغْنِي» لابن قُدامة (8/59-60)، «الفقه على المذاهب الأربعة» للجزيري (5/121).
([132]) في بعض الدول كألمانيا يمكن للأفراد طلب إجراء هذه التحليلات عن غير طريق القضاء وقد تنبهوا إلى المشاكل الممكنة وحاولوا تنظيم الأمر.
Expert witness in paternity testing in Germany Rittner CK-Leg Med (Tokyo)-01-MAR-2003; 5 suppl 1: 565-7 from NIH/NLM MEDLINE
([133]) كأن يدعي ابن العشرين ولدًا عمره اثنتا عشرة سنة.
([134]) كأن يكون الولد صاحب نسب معلوم ثبت بطريق شرعي.
([135]) الولد المستلحَق الذي أقر له المستلحِق بالأبوة.
([136]) وإلى هذا ذهب د. علي القره داغي فيمن استلحق لقيطًا ثم ظهر أهله. انظر «فقه القضايا الطبية المعاصرة» للقره داغي والمحمدي (ص354).
([137]) «صَحِيح مُسْلِم» كتاب العتق، باب تحريم تولي العتيق غير مواليه (2/1146 رقم 1508). قوله (صرفا ولا عدلا) الصرف التوبة وقيل النافلة والعدل الفدية وقيل الفريضة «نيل الأوطار» للشوكاني (6/189).
([138]) وإلى ما رجحنا في هاتين المسألتين الأخيرتين ذهبت اللجنة التي أوكل إليها دراسة موضوع البصمة من قبل مجلس المجمع الفقهي، والتي شملت من الفقهاء والأطباء الدكاترة صالح المرزوقي وعلي القره داغي ومحمد علي البار ومحمد باخطمة. انظر «فقه القضايا الطبية المعاصرة» للقره داغي والمحمدي (ص365).
([139]) «الوَسِيط» للغَزالِيّ (7/453).
([140]) وإلى هذا ذهب المشايخ محمد مختار السُّلامِيّ وحسن الشاذلي ومحمد رأفت عثمان وأحمد شرف الدين وسعد الدين الهلالي. انظر «الحلقة النقاشية حول حجية البصمة الوراثية في إثبات النسب» ثبت كامل لأعمال الحلقة (ص249-152).
([141]) انظر «إعْلام المُوَقِّعِين» لابن القَيِّم (3/136).
([142]) انظر «بَدَائع الصَّنَائع» للكَاسَانِيّ (6/255)، «الأحوال الشخصية» لأبي زَهْرَة (ص389). بينما يرى الشافعية والحنابلة أن له أن يلاعن لنفي الولد لا للاتهام بالزنا. انظر «المُغْنِي» لابن قُدامة (8/45).
([143]) ذهب الشيخ محمد مختار السُّلامِيّ إلى الاستغناء بالبصمة عن اللعان لنفي الولد، ولست أعرف غيره – حفظه الله – قال بما قال به. انظر «الطب في ضوء الإيمان» له (ص184). ولا يقول أحد بأن البصمة تحل محل اللعان في كل شيء، إذ الملاعن قد يفعل ذلك ليتهم امرأته بالزنا دون وجود ولد.
([144]) ويمكن استعمال البصمة عند كون النفي باللعان غير ممكن لكون المرأة ليست زوجة كالموطوءة بشبهة، فالأحناف لا يرون ملاعنتها.
([145]) وهذا هو المفهوم من توصيات اللجنة التي أوكل إليها دراسة موضوع البصمة من قبل مجلس المجمع الفقهي، والتي شملت من الفقهاء والأطباء الدكاترة صالح المرزوقي وعلي القره داغي ومحمد علي البار ومحمد باخطمة، قالوا: «وحينئذ [عند إرادة اللعان] تعرض المحكمة على الرجل أن يلجأ إلى البصمة الوراثية، أو تأمره بذلك، وحينما تكون النتيجة إيجابية ينتهي أمر الشك، أما إذا كانت سلبية فلا ينتفي النسب إلا باللعان». انظر «فقه القضايا الطبية المعاصرة» للقره داغي والمحمدي (ص365). وصرح القره داغي بأن هذا مراده في نفس الكتاب (ص355)
([146]) انظر «المُغْنِي» لابن قُدامة (8/61).
([147]) قال به المالكية عند ظهور كذب الدعوى.