بحث منشور في مجلة الفقه والقانون المحكمة – المغرب – العدد: السابع – مايو 2013
مقدمة
بسم الله والحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، بلغ عن ربه فأتم البلاغ، وبين لنا شرائع ديننا في شتى مناحي الحياة، حتى غبطنا على بيانه أهل الكتاب. فاللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع ملته إلى يوم الدين. أما بعد،
فإن التحكيم بين المسلمين المقيمين في البلاد ذات الأغلبية غير المسلمة قضية بالغة الأهمية وعظيمة الخطر، ولها أهمية عظيمة تتزايد يومًا بعد يوم لعدة أسباب من أهمها:
زيادة أعداد المسلمين المقيمين خارج ديار الإسلام، ووجوب سعي هؤلاء وغيرهم من عموم المسلمين، قدر الإمكان، إلى تحكيم شريعتهم، فيما يكون بينهم من نزاعات وخصومات، امتثالا لأمر الله تعالى لهم وحرصًا على تحصيل ما أودعه تعالى فيها من العدل والرحمة والخير والمصلحة في المعاش والمعاد والعاجل والآجل.
ومنها كذلك نمو الوعي في البلاد الغربية بفوائد التحكيم، إذ يكون أرضى للناس، سيما هؤلاء الذين لا يشتركون مع الأغلبية في كل محددات الثقافة والهوية، وأهمها الدين. وكذلك فإنه يرفع الكثير من الأعباء عن كاهل مؤسسة القضاء التي أثقلت في كل البلاد بزيادة النزاعات بين الناس واحتدام الخصومات.
إن هذا التحكيم الذي كانت الدول الحديثة تقف منه موقف الريبة خشية أن يخدش من سيادتها، والآن تسعى كثير منها إلى ضبط تراتيبه لتوسيع رقعة الاستفادة منه، قد أقره الإسلام بضوابط محكمة منذ أربعة عشر قرنًا من الزمان ونيف. ولكن الشارع تعالى إذ أقره لفوائده العظيمة، ما كان سبحانه ليغفل عن ضرر الاسترسال فيه، كون ذلك يخدش من سيادة الدولة، أو كما يقول فقهاؤنا يخرم أبهة الولاية ويخرق قاعدتها. من أجل ذلك، جاءت أحكام الشريعة بصدده وسطًا بين الغلو فيه والجفاء عنه، فتم لها تحصيل منافعه وتكميلها ومنع مضاره أو تقليلها.
ولقد عنيت في بحثي هذا بالمواضيع الآتية:
- هل يعد التحكيم ملزما بالشروع فيه؟ أم لا بد أن يبقى الرضا بالتحكيم وبالمحكمين إلى نهاية النظر في الخصومة؟
- هل يجوز الطعن في قرار هيئات التحكيم كما يطعن في أحكام القضاء؟ وهل يجوز أن يتفق الطرفان على جهة للطعن من البداية؟ وما مدى مناسبة أن يكون المجمع هو الجهة التي تدقق أمامها قرارات هيئات التحكيم لمن أراد أن يدقق هذه الأحكام؟
- كيف تتحول قرارات هيئة التحكيم إلى قرارات ملزمة تتمتع بالإلزام القانوني كما تتمتع أحكام المحاكم؟ وما مدى ضرورة أن يوجد في هيئات التحكيم مستشار قانوني ضمانا للجدية والضبط القانوني؟
- هل هناك من حرج في تحميل المتحاكمين مصروفات الخصومة؟ وهل هناك ما يمنع من أن تكون نسبة مئوية من قيمة الخصومة إذا كانت حول مسائل مالية؟ وماذا لو فشل التحكيم في أثناء الطريق وانسحب أحد الخصوم أو ترك البلاد وسافر، فهل يفوت هذا أجر هيئات التحكيم عما بذلت من جهد ووقت؟
وقبل أن أبدأ في تناول هذه الموضوعات مستعينا بالله ومتوكلا عليه، أقدم لها ببعض ما تجدر الإشارة إليه، وذلك من غير إسهاب، فأكثرها مما يعالج في بحوث أخرى. ولعل البداية ينبغي أن تكون بذكر مقدمات ضرورية عن التحكيم ونطاقه.
التحكيم، كما في مجلة الأحكام: “هو عبارة عن اتخاذ الخصمين حاكما برضاهما لفصل خصومتهما ودعواهما ويقال لذلك حكم بفتحتين ومحكم بضم الميم وفتح الحاء وتشديد الكاف المفتوحة.”[1] وركنه إيجاب من طرف وقبول من الآخر، ويكون الإيجاب بأي لفظ دال عليه.[2]
ذهب الجمهور من أهل العلم إلى مشروعية التحكيم أو استحبابه، وهم الحنفية[3] والمالكية[4] والحنابلة[5] وأكثر الشافعية[6] – وهو المذهب، ونقل الإجماع على جوازه.[7] واستدلوا بالآتي:
قوله تعالى: “وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا” [النساء: 35] جعلها أكثرهم أصلا في التحكيم. وقوله تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ” [المائدة: 95] احتج بها ابن عباس رضي الله عنهما على الخوارج في شأن التحكيم يوم صفين.
وعن شريح عن أبيه هانئ أنه لما وفد إلى رسول اللَّهِ r مع قَوْمِهِ سَمِعَهُمْ يَكْنُونَهُ بِأَبِي الْحَكَمِ فَدَعَاهُ رسول اللَّهِ r فقال: “إِنَّ اللَّهَ هو الْحَكَمُ وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ فَلِمَ تُكْنَى أَبَا الْحَكَمِ فقال إِنَّ قَوْمِي إذا اخْتَلَفُوا في شَيْءٍ أَتَوْنِي فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ فَرَضِيَ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ فقال رسول اللَّهِ r ما أَحْسَنَ هذا فما لك من الْوَلَدِ قال لي شُرَيْحٌ وَمُسْلِمٌ وَعَبْدُ اللَّهِ قال فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ قلت شُرَيْحٌ قال فَأَنْتَ أبو شُرَيْحٍ.” [8]
كذلك ورد التحكيم من فعل كبار الصحابة رضي الله عنهم، بل نقل إجماعهم على جوازه. ومن ذلك التحكيم الذي جرى بين علي ومعاوية رضي الله تعالى عنهما. وعن ابن أبي مليكة رحمه الله أن عثمان t ابتاع من طلحة بن عبيد الله t أرضا بالمدينة ناقله بأرض له بالكوفة فلما تباينا ندم عثمان t ثم قال بايعتك ما لم أره فقال طلحة t إنما النظر لي إنما ابتعت مغيبا وأما أنت فقد رأيت ما ابتعت فجعلا بينهما حكما فحكما جبير بن مطعم t فقضى على عثمان أن البيع جائز وأن النظر لطلحة أنه ابتاع مغيبا.”[9]
ومنع بعض الشافعية والحنابلة وكذلك الظاهرية منه وإن كان المفهوم من كلام أكثر من منع أنه عند وجود القاضي.
والحاصل أن القول الصحيح الذي عليه عامة أهل العلم هو جواز التحكيم، بل نقل عليه الإجماع.[10] ولكن المشروعية ترقى إلى الاستحباب عند كون التحكيم أدعى لسرعة الفصل بين الناس ورضا الخصمين والتخفيف عن القضاء وحفظ أموال المتخاصمين وبيت المال…الخ. أما في حالة الأقليات المسلمة في غير البلدان الإسلامية، فالوجوب ظاهر، كون التحكيم سبيلهم الوحيد إلى تحكيم شرع الله فيما شجر بينهم، سيما في أحكام الأسرة كالنكاح والطلاق وغيرها مما يسمى قوانين الأحوال الشخصية.
اختلف الفقهاء فيما يجوز فيه التحكيم، فعند الحنفية لا يجوز في الحدود الواجبة لله وكذلك القصاص في الصحيح، وكذا اللعان كونه يقوم مقام الحد.[11] أما المالكية، فجائز عندهم إلا في عشرة مواضع: الرشد وضده والوصية والحبس المعقب وأمر الغائب والنسب والولاء وحد وقصاص ومال[12] وزاد البعض الطلاق والعتق واللعان، وضعف الزيادة الخرشي في شرحه.[13] وعند الشافعية خلاف، والمذهب أنه لا يجوز في الحدود ويجوز في غيرها وقيل بشرط عدم وجود قاض[14]. أما الحنابلة، فظاهر كلام أحمد جوازه في كل ما يجوز فيه القضاء، حتى مع وجود قاض.[15] وقال القاضي أبو يعلى بجواز التحكيم في الأموال خاصة وأما النكاح والقصاص والحد فلا يجوز فيها التحكيم، وهو قول عند الشافعية.[16]
وحاصله أنهم يستثنون من محل التحكيم ما ليس من حق المتحاكمين، كالحد والقتل والطلاق فإنه يتعلق بهم حق الله تعالى وكالنسب واللعان لتعلق حقوق لغير المتحاكمين بهما. يقول ابن العربي – رحمه الله: ” والضابط أن كل حق اختص به الخصمان جاز التحكيم فيه ونفذ تحكيم المحكم به.”[17] وكذلك يستثنون ما يؤدي التحكيم فيه إلى انخرام نظام الدولة، وفي ذلك يقول الخطيب الشربيني – رحمه الله: ” ليس للمحكم أن يحبس بل غايته الإثبات والحكم وقضيته أنه ليس له الترسيم قال الرافعي نقلا عن الغزالي وإذا حكم بشيء من العقوبات كالقصاص وحد القذف لم يستوفه لأن ذلك يخرم أبهة الولاية.”[18]
ولما كان الكلام عن هذه المسألة مما تعنى بحوث أخرى ببيانه، أكتفي بما مر ولكن مع التنبيه إلى كون هذه الاستثناءات التي استثناها البعض، منها ما يبقى خارج نطاق التحكيم خارج بلاد الإسلام كالحدود وسائر الدماء، وإن جاز النظر في عقوبات تعزيرية مالية في بعضها. ولكن منها ما لا يجوز خارج أرض الإسلام استثناؤه كالنكاح مثلا، فإن مآل القول بهذا أن يتحاكم المسلمون بهذا الخصوص إلى غير شرع الله. إن الذي يظهر أن السقف الأعلى لما يدخل في دائرة التحكيم – بخلاف الحدود والقصاص – ستحدده القوانين المحلية، فكل ما سمحت به تلك القوانين، وجب على المسلمين أن يحكموا العدول منهم فيه.
رابعًا أهمية التحكيم للأقليات المسلمة وهل للحكام في تلك الأحوال حكم القضاة
إن جموعا غفيرة من المسلمين في هذا العصر يقيمون خارج ديار الإسلام، سواء أكانوا من أهل تلك البلاد غير الإسلامية، أو ممن هاجر إليها. وإنهم تحدث بينهم خصومات، وهم مأمورون – متى تيسرت السبل – بتنصيب من يفصل فيها بشرع الله تعالى، فقد استقر العلم بوجوب ذلك، وأجمع أهل العلم أنه متى ما أمكن تحكيم شرع الله فلا يسع أحدًا من المكلفين أن يعدل عنه إلى غيره. إن الإعراض عن حكم الله لمن الطوام العظيمة التي توقع مقترفها في الكفر إن كان مستحلا أو كبائر الذنوب إن كان ظالما متبعا للهوى. قال الله تعالى: “إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ” ([19])، وقال: “وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا” ([20])، وقال: “وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ” ([21])، وقال: “أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ” ([22])
والسؤال المطروح هو ما إذا كان بإمكان المسلمين التحاكم فيما شجر بينهم إلى شرع الله وهم في تلك البلاد غير الإسلامية؟ والجواب هو أن هناك مساحة تسمح بشيء كثير من ذلك في أكثر تلك البلاد، وهي مساحة معقولة، وإن كانت دون ما وفره الإسلام في أرضه لأصحاب الملل الأخرى منذ أربعة عشر قرنا، ولكن وجود هذه المساحة في إطار ما يعرف بنظام (Arbitration) أو التحكيم لا يترك للمسلمين أي عذر في ترك الاستفادة الكاملة منه، ليحكموا شرع الله فيما تنازعوا فيه.
إن الحكام في تلك البلاد إذا كانت لهم أهلية القضاء وخولهم السلطان – وإن كان كافرا – فإنهم قضاة لهم ما للقضاة من أحكام، وإن لم يخولوا، فينبغي أن يصطلح المسلمون فيما بينهم على الالتزام بأحكامهم متى كانت هناك فسحة لذلك بالقانون. إن جماعة المسلمين أو العدول يقومون مقام الوالي والقاضي عند شغور الزمان منه، وهذا هو القول الصحيح الذي يحمي على الناس حقائق الإيمان وأصول الدين. قال ابن مسعود t: “ما رءاه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن.”
قال ابن عابدين – رحمه الله: “قوله ( ويجوز تقلد القضاء من السلطان العادل والجائر ) أي الظالم وهذا ظاهر في اختصاص تولية القضاء بالسلطان … قلت وهذا حيث لا ضرورة وإلا فلهم تولية القاضي أيضا … قوله ( ولو كافرا ) في التاترخانية الإسلام ليس بشرط فيه أي في السلطان الذي يقلد وبلاد الإسلام التي في أيدي الكفرة لا شك أنها بلاد الإسلام…. وأما بلاد عليها ولاة كفار فيجوز للمسلمين إقامة الجمع والأعياد ويصير القاضي قاضيا بتراضي المسلمين فيجب عليهم أن يلتمسوا واليًا مسلمًا منهم … وفي الفتح وإذا لم يكن سلطان ولا من يجوز التقلد منه كما هو في بعض بلاد المسلمين غلب عليهم الكفار كقرطبة الآن يجب على المسلمين أن يتفقوا على واحد منهم يجعلونه واليا فيولي قاضيا ويكون هو الذي يقضي بينهم وكذا ينصبوا إماما يصلي بهم الجمعة.”[23]
وقال الخرشي – رحمه الله – في شرح المختصر أن لزوجة المفقود أن ” ترفع أمرها إلى القاضي أو إلى الوالي وهو قاضي الشرطة أي السياسة وإلى ولاة المياه وهم الذين يأخذون الزكاة ليكشفوا عن أمر زوجها إذ الحق لها … وإلا فلجماعة المسلمين أي فإن لم تجد المرأة أحدا ممن ذكر فإنها ترفع أمرها إلى جماعة المسلمين والواحد منهم كاف…”[24]
وقال الجويني – رحمه الله: “أما ما يسوغ استقلال الناس فيه بأنفسهم، ولكن الأدب يقتضي فيه مطالعة ذوي الأمر ومراجعة مرموق العصر، كعقد الجمع وجر العساكر إلى الجهاد واستيفاء القصاص في النفس والطرف فيتولاه الناس عند خلو الدهر… فإذا خلا الزمان عن السلطان وجب البدار على حسب الإمكان إلى درء البوائق عن أهل الإيمان.“[25]
وقال أبو يعلى – رحمه الله – في الأحكام السلطانية: “ولو اتفق أهل بلد قد خلا من قاض على أن قلدوا عليهم قاضيا فإن كان إمام الوقت موجودا بطل التقليد وإن كان مفقودا صح.”[26]
إنه ينبغي مراعاة خصوصية وضع الجاليات المسلمة عند مناقشة قضية التحكيم بالنسبة لهم، فبينما يكون الجواز أو الاستحباب حكمه في بلاد الإسلام التي تتحاكم إلى شرع الله، إذ القضاء الإسلامي هو الخيار الآخر، لكن قد يخفف التحكيم عنه لكثرة المنازعات. ولكن الحال في غير البلاد الإسلامية التي لا تتحاكم إلى الشرع مختلف، فإنهم إن لم يحكموا أمثل أهل العلم من المسلمين في منازعاتهم لآل الأمر إلى تحكيم غير ما أنزل الله في خاصة أمورهم وأحكام نكاحهم وطلاقهم وغيرها. إنه إن اتفق المسلمون على تنصيب وال لهم،[27] وقام هذا بدوره بتنصيب القضاة الذين يحكمون بين المسلمين في تلك البلاد غير الإسلامية فإن هؤلاء تكون لهم ما للقضاة من أحكام، وإن لم يفعلوا، فأقل ما يقال عن صلاحيات التحكيم أن السقف الأعلى لهذه الدائرة ستحدده القوانين المحلية، فكل ما سمحت به – بخلاف الحدود – وجب على المسلمين أن يحكموا العدول منهم فيه، وقد يسوغ كذلك النظر في إمكان التعوض عن بعض الحدود بعقوبات تعزيرية مالية.
إننا ينبغي كذلك أن نستصحب أهمية التحكيم بالنسبة إلى الجاليات المسلمة بالغرب وعموم الأقليات المسلمة بالعالم بل والمسلمين كافة في البلاد التي لا يحكم فيها بشرع الله تعالى وذلك في ترجيحاتنا في هذا الباب كله، ليكون أقرب ما يمكن إلى القضاء من حيث الإلزام.
هل يعد التحكيم ملزما بالشروع فيه؟ أم لا بد أن يبقى الرضا به إلى نهاية النظر في الخصومة؟
لقد اختلف أهل العلم في ذلك، فذهب عامتهم إلى أنه ملزم بعد الحكم، ولم يرد في ذلك إلا خلاف ضعيف عن الشافعية،[28] يؤدي العمل به إلى نقض نظرية التحكيم من أصلها. أما بعد الشروع وقبل الحكم، فذهب الأحناف والمالكية في صحيح المذهب والحنابلة في وجه إلى حق أي من المحكمين في عزل المحكم، بينما ذهب المالكية إلى سقوط ذلك الحق عند قيام البينة والحنابلة أسقطوه في وجه بعد الشروع، وحكاه الإصطخري وجهًا عند الشافعية،[29] وهو قول ابن الماجشون من المالكية. [30]
قول السادة الأحناف:
لا يختلف المذهب عند الأحناف على جواز عزل المحكم قبل الحكم، ففي درر الحكام: ” لذلك لو حاكم المحكم الطرفين وقال إنني أرى المدعي محقا في دعواه فعزله المدعى عليه قبل الحكم وحكم المحكم بعد ذلك للمدعي فلا ينفذ الحكم. كذلك لو حكم الطرفان حكما ليفصل الست الدعاوى المتكونة بينهما ففصل هذا الحكم قضية أو قضيتين لصالح أحد الطرفين وحكم على الآخر فعزل المحكوم عليه المحكم فيصح عزله في حق الدعاوى الأخرى … أما لو عزلاه بعد الحكم فلا يبطل حكمه لأن هذا الحكم قد صدر من ذي ولاية شرعية.”[31]
قول السادة المالكية
المذهب عند المالكية عدم جواز عزل المحكم بعد استيعاب الكشف عن حال المترافعين[32] أو قيام البينة، وفي تبصرة الحكام لابن فرحون – رحمه الله: “ولا يشترط دوام الرضا إلى حين نفوذ الحكم بل لو أقاما البينة عنده ثم بدا لأحدهما قبل أن يحكم فليقض بينهما ويجوز حكمه. وقال أصبغ لكل واحد منهما الرجوع ما لم ينشبا في الخصومة عنده فيلزمهما التمادي فيها كما ليس لأحدهما إذا ترافعا الخصومة عند القاضي أن يوكل وكيلا أو يعزله. وقال سحنون في كتاب ابنه لكل واحد منهما الرجوع ما لم يفصل الحكم بينهما. وقال ابن الماجشون ليس لأحدهما الرجوع كان ذلك قبل أن يقاعد صاحبه أو بعد ما ناشبه الخصومة وحكمه لازم لهما.”[33]
قول السادة الشافعية
المذهب المعتمد عند الشافعية أن المحكم ينعزل بعزل أحد الخصمين له قبل الحكم وبعد الشروع وفي وجه حكاه الإصطخري – رحمه الله – لا ينعزل وفي قول ضعيف لا يلزم المتخاصمين قبول حكمه. قال الماوردي- رحمه الله: “.. فيما يصير الحكم به لازما لهما. وفيه للشافعي قولان …: أحدهما: أنه لا يلزمهما الحكم إلا بالتزامه بعد الحكم كالفتيا، لأنه لما وقف على خيارهما في الابتداء وجب أن يقف على خيارها في الانتهاء وهو قول المزني. والثاني: وهو قول الكوفيين وأكثر أصحابنا أنه يكون بحكم المحكم لازما لهما … وحكى أبو سعيد الإصطخري فيه وجها ثالثا: أن خيارهما في التحكيم ينقطع بشروعه في الحكم…”[34]
قول السادة الحنابلة
كلمتهم واحدة في لزوم الحكم بعد صدوره، واختلفوا فيما يكون بعد الشروع وقبل الفصل، والراجح عندهم سقوط خيار المتحاكمين بعد الشروع. قال المرداوي – رحمه الله: “فائدتان إحداهما: لو رجع أحد الخصمين قبل شروعه في الحكم: فله ذلك. وإن رجع بعد شروعه وقبل تمامه: ففيه وجهان … أحدهما: له ذلك الثاني: ليس له ذلك. انتهى. قلت: وهو الصواب… واختار في الرعاية الكبرى: إن أشهدا عليهما بالرضا بحكمه قبل الدخول في الحكم فليس لأحدهما الرجوع.”[35]
الترجيح:
الراجح فيما يظهر لي من هذه الأقوال والذي ينبغي المصير إليه في الحال التي نبحثها وهي التحاكم إلى محكَّم مسلم يفصل بما علم من شرع الله لئلا يضطر الخصوم إلى تحكيم غيره هو سقوط خيار المتحاكمين إلا أن يتفقا على عزل المحكم.
واستدل الماوردي – رحمه الله – على لزوم الحكم بعد صدوره[36] بما روي عن النبي r أنه قال: ‘ من حكم بين اثنين تراضيا به فلم يعدل بينهما فعليه لعنة الله ‘[37] قال: فكان الوعيد دليلا على لزوم حكمه وبقوله تعالى في الشهادة: “ومن يكتمها فإنه آثم قلبه” [ البقرة : 283 ] قال: فدل الوعيد على لزوم الحكم بشهادته وبقوله عليه السلام: ‘ من علم علما وكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار ‘[38] فدل الوعيد على لزوم الحكم بما أبداه. والحديث الأول قال عنه ابن الملقن أنه لا أصل له، والآية والحديث الثاني لا يصلحان في خصوص هذه القضية فقد يعترض على الحديث بأنه في كل كتمان لعلم، كان ذلك في حكم قاض أو محكم أو في غير التحاكم أصلا، لزم منه حكم أو لم يلزم، والآية كذلك.
ولكن توجيه القول باللزوم بعد صدور الحكم أنه قد صدر من ذي ولاية شرعية.[39] بل قال ابن أبي ليلى – رحمه الله: “هو بمنزلة المولى من جهة الإمام …”[40] ولو لم يلزم لكان وساطة لا حكمًا.[41] ولو كان لكل منهما حق العزل بعد الشروع وقبل الحكم لبطل المقصود من التحكيم[42] لأنه قد يقع في نفس أحدهما بعد أي من مراحل الكشف وقيام البينة أنه سيحكم عليه، فيعزل الحكم فيصير التحكيم لغوا[43]. ولا يقال أنه لا يلزمهما الحكم إلا بالتزامه بعده كالفتيا، فليس التحاكم كالاستفتاء، بل شعبة من القضاء، لذا ذكروه في أبوابه. وكذلك لا يقال أن المحكم وكيل والوكيل ينعزل بعزل الموكل، فالفرق بينهما واضح، فالثاني لا يتصرف إلا لمصلحة موكله والأول قد يحكم له أو عليه.
بقي أيضًا أن مآل القول بعدم لزوم حكم المحكم اختلاف الناس في قضاياهم كافة إلى المحاكم التي تحكم القوانين الوضعية وعزوفهم عن حكم الله، فما الفائدة في حق لا نفاذ له.
أما إن اتفق الطرفان على عزل المحكم، فلهما ذلك، فإنه كما قال ابن العربي – رحمه الله: “وتحقيقه أن الحكم بين الناس إنما هو حقهم لا حق الحاكم …”[44]
هل يجوز الطعن في قرار هيئات التحكيم؟ وأن يتفق الطرفان على جهة للطعن من البداية؟
لا شك أن حكم المحكَّم يجري عليه النقض إذا خالف الأصول كحكم القاضي. أما إذا كان مما يسوغ فيه الاجتهاد، فهل يجوز لقاض أو محكم ثان أن ينقضه إن خالف مذهبه أو ما يعتقد رجحانه؟ منع الجمهور من ذلك وخالفهم الأحناف، وهذا عرض لبعض أقوالهم:
قول السادة الأحناف
ذهب الأحناف إلى أن حكم المحكم لا يرفع الخلاف كما يرفعه حكم القاضي، فيجوز لمحكم ثان أو قاض أن ينقضه، وإن وافق بعض المذاهب المعتبرة، ففي درر الحكام: ” إذا عرض حكم المحكم على القاضي المنصوب من قبل السلطان أو على محكم ثان ليدقق الحكم مرة ثانية فإذا كان موافقا للأصول صدقه لأنه لا فائدة من نقض الحكم الموافق للأصول … فإذا حكم المحكم حكما غير موافق للأصول ينقضه القاضي والمحكم الثاني. وعدم موافقة حكم المحكم للأصول يكون على وجهين: الأول: أن يكون حكم المحكم خطأ لا يوافق أي مذهب … الثاني: أن يكون موافقا لمذهب أحد المجتهدين إلا أنه يكون غير موافق لمذهب المجتهد الذي يقلده … وفي هذه الصورة ينقض القاضي ذلك الحكم لأن ولاية المحكم مقصورة على الطرفين المتخاصمين وحكم الحكم في ذلك لا يرفع خلاف المسائل الخلافية …”[45]
ولكن المتحاكم لا ينقض حكم المحكم بنفسه وإن كان عالما مجتهدًا، ففي حاشية رد المحتار: “… فإن قضى عليه بالبينونة والزوج لا يراها يتبع القاضي إجماعا. هذا كله إذا كان الزوج عالما له رأي واجتهاد … هذا إذا قضى له أما إذا أفتى له … فيلزم الجاهل اتباع قول المفتي كما يلزم العالم اتباع رأيه واجتهاده … لأن القضاء ملزم سواء وافق رأي الزوج أو خالفه وكذا مع الإفتاء لو الزوج جاهلا. قوله ( بل محكم ) في الخانية حكم المحكم كالقضاء على الصحيح.”[46]
قول السادة المالكية
عند المالكية يرفع حكم المحكم الخلاف كحكم القاضي، ففي تبصرة الحكام لابن فرحون – رحمه الله: “إذا حكم المحكم فليس لأحد أن ينقض حكمه وإن خالف مذهبه إلا أن يكون جورا بينالم يختلف فيه أهل العلم. مسألة قال اللخمي إنما يجوز التحكيم إذا كان المحكم عدلا من أهل الاجتهاد أو عاميا واسترشد العلماء فإن حكم ولم يسترشد رد وإن وافق قول قائل لأن ذلك تخاطر منهما وغرر.”[47]
وصرح الدردير – رحمه الله – في الشرح الكبير بأن حكم المحكم يرفع الخلاف فقال: “( ومضى ) حكمه في أحد هذه السبعة ( إن حكم صوابا ) فلا ينقض لأن حكم المحكم يرفع الخلاف كحكم الحاكم.” [48]
قول السادة الشافعية
قال الماوردي – رحمه الله: “قال الشافعي رحمه الله: من اجتهد من الحكام فقضى باجتهاده ثم رأى أن اجتهاده خطأ أو ورد على قاض غيره فسواء. فما خالف كتابا أو سنة أو إجماعا أو ما في معنى هذا رده. وإن كان يحتمل ما ذهب إليه ويحتمل غيره لم يرده وحكم فيما استأنف بالذي هو الصواب عنده. [قال الماوردي:] وهذا صحيح إذا بان للقاضي أنه قد أخطأ في حكمه أو بان له أن غيره من القضاة قد أخطأ في حكمه فذلك ضربان: أحدهما: أن يخطئ فيما يسوغ فيه الاجتهاد. والثاني: أن يخطئ فيما لا يسوغ فيه الاجتهاد. فإن أخطأ فيما يسوغ فيه الاجتهاد وهو أن يخالف أولى القياسين من قياس المعنى الخفي أو أولاهما من قياس التقريب في الشبه كان حكمه نافذا وحكم غيره من القضاة به نافذا لا يتعقب بفسخ ولا نقض…”[49]
قول السادة الحنابلة
قول الحنابلة في ذلك كقول الجمهور، فهم يرون عدم نقض حكم الحاكم إلا بما ينقض به حكم القاضي. قال ابن قدامة – رحمه الله: “إذا ثبت هذا فإنه لا يجوز نقض حكمه فيما لا ينقض به حكم من له ولاية …”[50]
وقال ابن القيم – رحمه الله: “إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ لم تنكر على من عمل فيها مجتهداً أو مقلدًا.” [51]
وقال المرداوي – رحمه الله: “… ونظيره لو حكماه في التداعي بدين وأقر به الورثة. انتهى. فعلى المذهب: يلزم من يكتب إليه بحكمه القبول وتنفيذه كحاكم الإمام .. .“[52]
الترجيح
الراجح هو قول الجمهور بعدم رد ما يسوغ فيه الاجتهاد، ولعل ضبط ذلك عزيز إلا أن نقول أنه ما كان موافقًا لقول أحد الأئمة المعتبرين كالأربعة وأمثالهم، وله حظ من النظر، وعمل به فريق من المسلمين فلم يهجر بالكلية. أما القول بعدم النقض فظاهر، فإن هذا الحكم حكم صحيح لازم، قد صدر عن ذي ولاية شرعية، بل قال ابن أبي ليلى – رحمه الله: “هو بمنزلة المولى من جهة الإمام حتى لا يكون لأحد أن ينقض حكمه ما لم يخالف الدليل الشرعي.”[53] ولما قيل لعمر: إنك لم تشرك في العام الماضي بين ولد الأم وبين ولد الأب والأم، فكيف تشرك الآن؟ قال تلك على ما قضينا وهذه على ما قضينا.[54] أما قول الأحناف بأن التحكيم عقد في حق الحاكم فملك فسخه كالعقد الموقوف، فجوابه ما ذكره ابن قدامة – رحمه الله: “وما ذكروه غير صحيح فإن حكمه لازم للخصمين فكيف يكون موقوفا ولو كان كذلك لملك فسخه وإن لم يخالف رأيه ولا نسلم الوقوف في العقود.”[55] أما في حال الأقليات المسلمة فليس ثم الحاكم الذي يشيرون إليه أصلا. فينبغي التذكير هنا بخصوصية وضع هؤلاء الحكام في غير بلاد الإسلام، وأنهم إذا لم تكن لهم أحكام القضاة بالكلية، فينبغي أن يكون ترجيحنا بخصوص أحكامهم أقرب إلى الإلزام لسد ذريعة التساهل وضمان الالتزام. إن مآل رد الأحكام المختلف فيها – فيما أرى – هو حصول التهارج وضياع هيبة الأحكام، وفساد ذات بين الحكام، بل والفرقة والشقاق بين أهل القبلة.
المشارطة على التحاكم إلى جهة معينة عند أي تعاقد وكذلك على جهة تدقيق الأحكام.
أما المشارطة بين طرفي أي عقد على التحاكم إلى جهة معينة عند إبرامه وكذلك على جهة تدقيق الأحكام، التي يطعن أمامها في قرارات الحكام، سواء في العقد الأول أو في عقد التحكيم فلا بأس بها، ولا يطعن في ذلك أن عقد التحكيم غير لازم، فالصحيح لزومه بين المتحاكمين مع الشروع كما بينا، ولا يعترض بعدم جواز الشرط المعلق، فالصحيح – كما سنبين – نفاذه، وإن الأصل في العقود أنها لحفظ حقوق المتعاقدين وعلى التراضي مدارها إلا فيما جاء الشرع ببيان تحريمه، وفي ذلك قال ابن تيمية – رحمه الله: ” وإذا ظهر أن العقود لا يحرم منها إلا ما حرمه الشارع فإنما وجب الوفاء بها لإيجاب الشارع الوفاء بها مطلقا إلا ما خصه الدليل. على أن الوفاء بها من الواجبات التى اتفقت عليها الملل بل والعقلاء جميعهم وقد أدخلها في الواجبات العقلية من قال بالوجوب العقلي [المعتزلة] ففعلها ابتداء لا يحرم إلا بتحريم الشارع والوفاء بها وجب لإيجاب الشارع إذا ولإيجاب العقل أيضا. وأيضا فإن الأصل في العقود رضى المتعاقدين وموجبها هو ما أوجباه على أنفسهما بالتعاقد لأن الله قال في كتابه العزيز {إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ} [النساء: 29] … وإذا كان كذلك فإذا تراضي المتعاقدان بتجارة، أو طابت نفس المتبرع بتبرع، ثبت حله بدلالة القرآن؛ إلا أن يتضمن ما حرمه الله ورسوله؛ كالتجارة في الخمر، ونحو ذلك.”[56]
أما الاعتراض على الشرط بعدم جواز عقد وشرط عند البعض أو شرط معلق كون الجمهور يمنعون من التعليق في العقود، فالصحيح أن الأصل في الشروط النفاذ. قال رسول الله r: “الصُّلْحُ جَائِزٌ بين الْمُسْلِمِينَ إلا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا أو أَحَلَّ حَرَامًا وَالْمُسْلِمُونَ على شُرُوطِهِمْ إلا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أو أَحَلَّ حَرَامًا.”[57] وفي صحيح البخاري عن عمر t: “مقاطع الحقوق عند الشروط ولك ما شرطت.”[58] وهذه الشروط التي معنا تسد ذريعة الاختلاف فهي مستحبة. والأحناف أجازوا الشرط الملائم، والمذهب عند الحنابلة اعتبار الشروط في كل العقود إلا ما حرم حلالا أو أحل حراما، وفي التعليق يقول ابن القيم – رحمه الله: “… وقد شرع الله لعباده التعليق بالشروط في كل موضع يحتاج إليه العبد، حتى بينه وبين ربه كما قال النبي r لضباعة بنت الزبير وقد شكت إليه وقت الإحرام، فقال: “حجي واشترطي على ربك فقولي: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، فإن لك ما اشترطت على ربك” … وتعليق العقود والفسوخ والتبرعات والالتزامات وغيرها بالشروط أمر قد تدعو إليه الضرورة أو الحاجة أو المصلحة، فلا يستغني عنه المكلف … واشترى عبد الله بن مسعود جارية من امرأته وشرطت عليه أنه إن باعها فهي لها بالثمن، وفي ذلك اتفاقهما على صحة البيع والشرط، ذكره الإمام أحمد وأفتى به.”[59]
ولم يصح أن النبي r نهى عن بيع شرط. وما روي في ذلك لا يصح مع مخالفته لسنن ثابتة كحديث جابر في بيع الجمل واشتراط حملانه وحديث: “من باع عبدًا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع”.
والخلاصة أن شرط التحكيم جائز في العقود كافة وكذلك شرط اللجوء إلى جهة معينة لتدقيق الأحكام سواء في العقد الأول أو في عقد التحكيم. وهذه الجهة ينبغي أن تكون محل ثقة المسلمين ومتأهلة لذلك، فإن القضاء ولا ريب مرتقى صعب مسلكه، فما بالك بتدقيق الأحكام.
مناسبة أن يكون المجمع الجهة التي تدقق أمامها قرارات هيئات التحكيم؟
للإجابة على هذا السؤال أبدأ بتعريف المجمع وخصائصه وآلية الفتوى فيه:
أولا التعريف:
مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا مؤسسة علمية غير ربحية معفاة من الضرائب تتكون من مجموعة مختارة من فقهاء الأمة الإسلامية وعلمائها، تسعى إلى بيان أحكام الشريعة فيما يعرض للمقيمين في أمريكا من النوازل والأقضيات.
الهيئة الرئاسية للمجمع:
الأستاذ الدكتور حسين حامد حسان، رئيـــس المجمــع
الأستاذ الدكتور علي أحمد السالوس، النائب الأول لرئيس المجمع
الأستاذ الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي، النائب الثـاني لرئيس المجمع
الأستاذ الدكتور صلاح الصاوي، الأميـن العـام
الدكتور السيد عبد الحليم محمد حسين، الأمين العام المساعد
ثانيًا خصائص المجمع:
التخصص، فكل أعضائه من حملة الدكتوراه في الشريعة الإسلامية باستثناء القليل من الأعضاء من المقيمين بالغرب ويحملون الدكتوراة في فروع أخرى من العلوم الإسلامية.
الحيادية، فالمجمع ملك للأمة، ومشترك علمي عام يلتقي عليه العاملون لدين الله في مشرق أو في مغرب، بعيدا عن التكتلات الحزبية أو التجمعات التنظيمية.
الجمع بين العلم بالشرع والدراية بالواقع ، فبالإضافة إلى الفقهاء يوجد بالمجمع عدد من الخبراء لا يقل عددهم عن الفقهاء، وهؤلاء يمكنون الفقهاء من الرؤية المستبصرة والفاحصة للواقع الذي تطبق فيه الفتوى.
وجود لجنة دائمة للإفتاء بالمجمع تتكون من عدة أعضاء من حملة الدكتوراه في الشريعة وهي مقيمة داخل الولايات المتحدة وتتولى الرد على القضايا اليومية التي ترد إلى المجمع وتصدر قرارها في ذلك بالأغلبية.
وجود لجنة لمستشاري الإفتاء تتكون من ثمانية من كبار أهل الفتوى في الأمة ترجع إليها اللجنة الدائمة عند الاقتضاء مستخدمة في ذلك أحدث تقنيات الاتصالات.
وجود صلة وثيقة بين هذا المجمع وما سبقه من المجامع، فالأصل هو التنسيق والتكامل وليست المنافسة أو التنافر أو التضاد، ولهذا فإن عضوية هذا المجمع مبذولة لمن شاء من أعضاء المجامع الأخرى ممن تنطبق عليهم شروط العضوية كما فصلها النظام الأساسي للمجمع، فالمجمع يقدم قوة إضافية للجهود القائمة: تنسيقا بينها، وجمعا لشتاتها، وتجسيرا للصلة بين فقهاء الأمة عبر العالم.
ثالثًا: آلية الإفتاء بالمجمع
الإفتاء هو المهمة الرئيسة للمجمع و لقد وضعت له آليات لضبطه و تيسيره.
تبدأ دورة الفتوى بتلقي الأسئلة من المستفتين عبر الهاتف أو الشبكة المعلوماتية أو البريد.
يجيب أحد أعضاء اللجنة الدائمة للإفتاء – و كلهم من المقيمين بالغرب – على الأسئلة التي ليس فيها إشكال و لا تمس أمر العامة أو كان للمجمع جواب سابق عنها.
تحال الأسئلة التي أشكلت على العضو أو تلك التي تمس أمر العامة إلى اجتماع اللجنة و الذي ينعقد دورياً مرة أو مرتين بالشهر حسب الحاجة.
تتم مناقشة الاستفتاءات المحالة إلى اللجنة من قبل أعضائها فمتى توصلت اللجنة إلى قرار أسندت الصياغة لأحد الأعضاء.
بعد الصياغة يعاد إرسال الجواب إلى أعضاء اللجنة عن طريق البريد الالكتروني للتعليق.
إذا تمت الموافقة على الصياغة تنشر الفتوى على موقع المجمع كما ترسل إلى المستفتي.
إذا لم تستطع اللجنة البت في المسألة المطروحة ترفع السؤال إلى مستشاريها للإفادة.
تحال بعض القضايا إلى مؤتمر المجمع السنوي الذي يدعى إليه علماء و خبراء المجمع كافة.
وإن الذي يظهر من خلال هذا العرض السريع أن مجمع فقهاء الشريعة بما يضمه من كوادر داخل الأمريكتين وخارجهما، وما يعتمده من آليات، وما يظهره من حرص على عدم التساهل والتغرير والمخاطرة بشأن الأحكام الشرعية، لمؤهل للقيام بهذا الدور مع غيره من المؤسسات التي تتسم بنفس الصفات.
كيف تصير قرارات التحكيم ملزمة كأحكام المحاكم؟
قال عمر t في رسالته إلى أبي موسى الأشعري t : “أما بعد: فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة فافهم إذا أدلي إليك فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له “[60]
إنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وإن السعي إلى تثبيت أركان التحكيم بين المسلمين في البلاد التي لا تقضي فيها المحاكم بشرع الله لأمر في غاية الأهمية والخطورة، لذا وجب اتخاذ كل التدابير التي تضمن سلامة هذه الأحكام ومصداقيتها وإلزامها. ومن هذه أمور تتعلق بأحكام الشريعة نفسها، ومنها أمور أخرى تتعلق بقوانين البلاد، كاعتماد نماذج وصيغ تبين فيها الإجراءات والمدد القانونية والخطوات التي يطالب مريد التحكيم باستيفائها قبل الشروع؟ والأولى هي محل البحث، ويجيب على الثانية أهل الاختصاص.
بداية، ينبغي نشر الوعي بين المسلمين بحقائق الإيمان وأن تحكيم شرع الله في كل أمور الإنسان وخصوماته لمن كبريات تلك الحقائق، ونبذ ذلك وهجرانه من الطوام.
كما ينبغي حض المسلمين على تضمين شرط التحكيم في عقودهم كافة، مع النص على استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي، حتى إن فسد العقد، لا يفسد الشرط تبعًا له. وقد تقدم الكلام عن هذا الشرط ومشروعيته وإلزامه.
ويحسن اتفاق المسلمين على هيئة تنصب لهم القضاة أو تفوض المحكمين، فعندها لا ينعزلون إلا بعزل تلك الهيئة لهم. في درر الحكام: ” … ولكن إذا حكمه الطرفان وأجاز القاضي المنصوب من قبل السلطان المأذون بنصب النائب هذا التحكيم يكون بمنزلة نائب هذا القاضي لأنه استخلفه. وكما أنه ليس للطرفين عزل القاضي أو عزل نائبه فليس لهما عزل هذا المحكم.“[61]
وينبغي الحرص على مصداقية المحكمين، فإن أكثر أهل العلم يشترط فيهم ما يشترط في القضاة، وإننا وإن قلنا بغير هذا مع التأكيد على مشاورة أهل العلم، فلا ريب أن تحكيم الجهال يرجع بالضرر على الناس والنقض على فكرة التحكيم ومشروعها. وإن كل سبيل يتوصل بها إلى زيادة مصداقيتهم ينبغي ألا يزهد فيها، ومن ذلك زيادة عددهم، فلا بأس بذلك أبدًا، ففي المادة ( 1843 ) من مجلة الأحكام: “يجوز تعدد المحكم يعني يجوز نصب حكمين أو أكثر لخصوص واحد ويجوز أن ينصب كل من المدعي والمدعى عليه حكما.” وفي المنتقى “ولو حكم المتخاصمان رجلين فحكم أحدهما، ولم يحكم الآخر فإن ذلك لا يجوز له قاله سحنون في كتاب ابنه، ولو حكم جماعة فاتفقوا على حكم نفذوه…”[62] وفي مغني المحتاج للشربيني: “يجوز أن يتحاكما إلى اثنين فلا ينفذ حكم أحدهما حتى يجتمعا ويفارق تولية قاضيين على اجتماعهما على الحكم لظهور الفرق قاله في المطلب.”[63]
ويحسن الإشهاد على الرضا بالحكم قبل الدخول فيه وتوثيق ذلك. قال المرداوي – رحمه الله: “… وإن رجع بعد شروعه وقبل تمامه: ففيه وجهان … واختار في الرعاية الكبرى: إن أشهدا عليهما بالرضا بحكمه قبل الدخول في الحكم فليس لأحدهما الرجوع.”[64] وقد أخبرت أن توثيق عقد التحاكم والإمضاء عليه عند هيئات التوثيق يجعله ألزم، وكذلك تفويض القاضي غير المسلم للمحكم المسلم، يجعله كذلك من جهة القانون ألزم.
ويجدر بالمحكمين الإشهاد على الأحكام، فإنه وإن لم يكن شرطًا في صحة التحكيم فهو شرط لقبول قول المحكمين عند الإنكار وذلك بعد الانصراف من مجلس الحكم. جاء في درر الحكام: ” … أما إذا قال المحكم بعد عزله من قبل أحد الطرفين وبعد قيامه من مجلس الحكم: إنني حكمت بينكما فلا يصدق لأنه ينعزل بقيامه من مجلس الحكم كانعزاله بالعزل وفي هذه الحالة لا يكون مقتدرا على إنشاء الحكم كما أنه لا يكون مقتدرا على الإقرار ...“[65]
وربما ناسب رفع الأحكام المهمة إلى هيئة تدقيق يتفق عليها المسلمون، وذلك لمنع نقضها من محكم آخر، وهو وإن كان لا يسوغ للثاني على الصحيح، لكن النقض قول الأحناف إذا خالف حكم الأول مذهب الثاني، ففي درر الحكام: ” … وفائدة تصديق حكم المحكم من قبل القاضي هو: أنه لو عرض هذا الحكم على قاض آخر يخالف رأيه واجتهاده رأي المحكم فليس له نقضه لأن إمضاء وقبول القاضي لحكم المحكم هو بمنزلة الحكم ابتداء من القاضي; أما إذا لم يصدق القاضي على حكم المحكم فيكون من الممكن للقاضي الآخر أن ينقض حكم المحكم …”[66]
مدى ضرورة أن يوجد في هيئات التحكيم مستشار قانوني ضمانا للجدية والضبط القانوني؟
الأصل عدم الحاجة إلى ذلك، ولكن إن تعين وجود المستشار القانوني في هيئة التحكيم كسبيل وحيد لضمان الجدية والضبط القانوني لخطوات التحكيم، فلا يبعد أن يقال: “ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب”، ولكن ينبغي أيضًا الأخذ في الاعتبار تكاليف هذا الاشتراط، حتى لا يؤدي إلى تعسير إجراءات التحاكم ويعود على أصله بالنقض.
هل يجوز تحميل المتحاكمين مصروفات الخصومة؟ وهل تكون نسبة من قيمتها لو كانت تجارية؟
لقد استقر عند أهل العلم – بعد خلاف قديم – جواز أخذ الأجر على القربات التي تحتاج الأمة إلى من يقوم عليها ممن تأهل لها وكان لا تجري عليه أرزاق من بيت المال لتفريغه لها. والقول بغير ذلك مآله إلى ضياع أكثر هذه الولايات والعجز عن تلك المهمات.
أما في شأن التحكيم خاصة، فهذه بعض أقوالهم:
في المبسوط للسرخسي – رحمه الله: “وذكر عن مسروق رحمه الله أنه لم يأخذ عن القضاء رزقا ففيه دليل أنه من ابتلي بالقضاء وكان صاحب يسار فالأولى له أن يحتسب ولا يأخذ كفايته من مال بيت المال وإن كان لو أخذ جاز له … قال الله تعالى (ومن كان غنيا فليستعفف) … والذي على الغنائم يحفظها والذي على المقاسم، من وجد، كالقاضي لأنه عامل للمسلمين ولكنه ليس بمنزلة القاضي في الحكم حتى يجوز استئجاره على ذلك إن لم يكن له فيه نصيب …”[67] والأحناف أشد المذاهب في أخذ الأجرة على القربات ولكنهم يفرقون بين القاضي وغيره، ولا يرون للقاضي أن يأخذ من بيت المال مع الغنى وإن أجازوه، ولعل استصحاب نظرهم في هذه المسألة يفيد من أخذ أجرًا على التحكيم في لجم النفس عن مجاوزة الحد. وفي رد المحتار ذكر ابن عابدين – رحمه الله – فروقا بين القاضي والمحكم، ومنها: “وكذا لم أر حكم قبول الهداية وإجابة الدعوة، وينبغي أن يجوزا له [أي للمحكم] لانتهاء التحكيم بالفراغ إلا أن يهدى إليه وقته من أحدهما فينبغي أن لا يجوز وذكر الرحمتي أن الذي ينبغي الجواز لأن من ارتاب فيه له عزله قبل الحكم بخلاف القاضي وفيه نظر والله سبحانه أعلم” .
وفي فتح العلي المالك للشيخ عليش – رحمه الله: “قال البرزلي: … لكن لو أتى خصمان إلى قاض فأعطياه أجرا على الحكم بينهما أو أتى رجل للمفتي فأعطاه أجرا على فتوى لم يتعلق بها خصومة، ولم يتعين ذلك عليهما … هذا ممن اختلف فيه الشيخان فقال الشيخ عبد الحميد أي شيء يمنع من ذلك ولا يجسر على التصريح به وقال اللخمي يمنع ذلك جملة لأنه ذريعة إلى الرشوة، وعلى الأول يحمل ما يروى عن ابن علوان أحد فقهاء تونس ومفتيها أنه كان يقبل الهبة والهدية ويطلبها ممن يفتيه كما نقله عنه ابن عرفة وما شاع وذاع أن القضاة يطلبون أجرا ممن أتى إليهم من الخصوم في الديار المصرية …”[68] والصواب أنه لا يكون ذريعة للرشوة إن كان بالسوية من الخصمين. ولعل ما ذكر من طلب القضاة الأجر في الديار المصرية إنما محله في الأوقات التي تنقطع فيها الأرزاق من بيت المال.
وفي حاشية الجمل: “ولو قال للمتحاكمين لا أقضي بينكما حتى تجعلا لي جعلا فالمحكي عن الشيخ أبي حامد وجرى عليه القاضي أبو الطيب والجرجاني أنه يحل قال في الكناية لأنه لم يذكر أنه طالبه من أحدهما نعم اعتبر البندنيجي في جواز ذلك أن يكون القضاء يشغله عن معاشه فإن لم يكن لقلة المحاكمات فلا يجوز له أن يرتزق من الخصوم …”[69]
والصواب أنه لو فرغ بعض وقته لمثل هذه الأعمال حتى يتضرر به في معايشه، فله أخذ الأجرة وإن لم ينقطع لهذا العمل فلا دليل على لزوم الانقطاع، والمحكم قد يقرئ القرآن، أو يعلم الصبيان ويحصل أرزاقه من هذه الأمور مجتمعة ولا يصلح بعضها لكفايته. وفي الفتاوى الكبرى الفقهية للهيتمي جملة من الشروط: “… له أن يقول للخصمين لا أحكم بينكما حتى تجعلا لي جعلا بشرط أن يكون فقيرا أو أن ينقطع بالحكم بينهما عن كسبه وأن يعلما به قبل الترافع وأن يكون عليهما معا وأن يأذن الإمام أو يعجز عن رزقه أو يفقد متطوع بالقضاء ولم يضر بالخصوم ولا جاوز قدر حاجته واشتهر قدره وساوى بين الخصوم فيه إن استوى وقت نظره وإلا جاز التفاوت …”[70] انتبه إلى مراعاة وقت النظر في كلام الهيتمي – رحمه الله.
وفي التحبير شرح التحرير: “إذا قال لا أقضي بينكما حتى تجعلا لي جعلا: جاز، ويحتمل أن لا يجوز’ انتهى. والقول الثاني: ليس له الأخذ. قلت: وهو ضعيف … ومن أخذ من بيت المال لم يأخذ في الحالتين …”[71]
الترجيح والبيان
إن الأدلة على جواز أخذ الأجرة على القربات كثيرة مبسوطة في كتب الفقه معلومة لأهله مما يغني عن سردها. والظاهر مما سبق جواز أخذ الأجرة على الحكم بين الناس خاصة لمن ينتصب لهذا الأمر الشريف، ممن يستغرق أوقاته في فصل الخصومات وفض النزاعات، وهذا مع الشروط التي ذكرها أهل العلم من وجود الحاجة وانتفاء الشبهة، فإن إقامة العدل بين المسلمين من أعظم مصالح دينهم ودنياهم، وإذا لم تتوفر الكفاية لمن ينتصب لها من النابهين، زهد فيها القادرون عليها وتناوشها الطامحون إليها ممن لم يعد لها عدتها ولا يملك شيئًا من آلتها. والأمر من ذلك انصراف الناس إلى المحاكم الوضعية ونبذهم الشريعة الربانية.
إن فشل التحكيم أو انسحب أحد الخصوم، فهل يفوت هذا أجر هيئات التحكيم عما بذلت؟
جواب هذا يأتي في أبواب الجعالة وأثر الفسخ من جهة الجاعل، وهذا عند الجمهور. أما الأحناف فلا يأذنون بالجعالة في غير رد الآبق، فما يحصله المحكم عند من يجوزه منهم إنما هو من باب الإجارة، وله أحكامها.
والفسخ من جهة الجاعل بعد الشروع في العمل لا أثر له عند المالكية، ويستحق العامل تمام الجعل إن أتم العمل، ففي التاج والإكليل: “( ولكليهما الفسخ ولزمت الجاعل بالشروع ) ابن يونس : للجاعل أن يفسخ الجعالة إذا لم يشرع المجعول له في العمل. وأما بعد الشروع فليس له ذلك.”[72] والإشكال هنا أن العامل لا يقدر على إتمام العمل من غير تعاون الجاعل، فيكون له الجعل إن أعجزه انصراف الجاعل عن التحاكم.
أما الشافعية والحنابلة، فينفسخ عقد الجعالة عندهم بفسخ الجاعل له قبل تمام العمل، ولكنهم يجعلون للعامل أجر المثل على ما كان منه من عمل. ففي أسنى المطالب: “( قوله: فلو فسخها المالك في أثناء العمل لزمه أجرة المثل ) لا فرق بين أن يكون ما صدر من العامل لا يحصل به مقصود أصلا كرد الآبق إلى بعض الطريق، أو يحصل به بعضه. ” [73] وفي كشاف القناع: “( وإن فسخها الجاعل ) قبل شروع العامل لم يلزمه شيء و ( بعد الشروع فعليه للعامل أجرة ) مثل ( عمله ).”[74]
أما جعل العوض نسبة من المبلغ المتنازع عليه فجائز كون الجعل يبقى معلوما، وقد يجوز عند البعض إن كان نسبة معلومة من محل الجعالة، وإن كان فيه شيء من الجهالة، كما في الإنصاف: “ فإن شرط عوضا مجهولا فسد العقد. وإن قال: فلك ثلث الضالة أو ربعها: صح على ما نص عليه في الثوب ينسج بثلثه والزرع يحصد والنخل يصرم بسدسه: لا بأس به. وفي الغزو: من جاء بعشرة رءوس فله رأس: جاز. وعند المصنف: لا يصح.“[75] وهذا مع الجواز فإن في النفس منه شيئًا في القضية محل البحث كون الأصل أن الحكم بين الناس بالعدل من الواجبات، وإنه وإن لم يتعين على آحاد العلماء، فأعدادهم قليلة، وحاجة الناس إليهم جليلة، وقد تنصرف همم البعض منهم إلى فصل النزاعات بين الأغنياء دون الفقراء، وإنما جاز لهم أخذ كفايتهم لا غير، فالذي ينبغي هو ضبط الأمر بعدد الساعات التي يستغرقها العمل، وتحديد الأجر بالساعة، فإما أن يكتفى بذلك فتكون إجارة لا جعالة فيها، وإما أن يضرب حد أعلى لأتعاب المحكمين في القضية كجعل، فإن فسخ المتحاكمان أو أحدهما علم عدد الساعات المبذولة وأجرة الساعة، فإن جاوز المجموع ما سموه، فليس له إلا المسمى. ولا يشكل على جعل العقد إجارة لا جعالة سوى أن الفرق بينهما أن الفاعل في الجعالة لا يلتزم الفعل وقد يطول زمان إنجازه أو يقصر، وهو الأقرب هنا لأنه قد يقدر على الحكم أو لا يقدر، ولكن المخرج من ذلك هو ضرب الأجرة على الحبس دون الحكم.
إنه وإن كانت مصروفات التقاضي في الغرب باهظة، ولن تبلغ مصروفات هيئات التحكيم معشارها، لكن يبقى الأسلم للديانة والأدفع للتهمة والأدعى للصيانة أن تكون العبرة بالجهد المبذول ويقاس بعدد الساعات التي يستغرقها النظر في تلك الأقضية.
هذا ما تيسر بحثه من مسائل التحكيم، وأسأل الله أن يرزقني أجر ما كان له من هذا الجهد ويغفر لي ما سواه. كما أسأله أن يغفر لي ما كان مني من خطأ وتقصير، إنه غفور رحيم.
وصلى الله على محمد وآله وأصحابه؛ والحمد لله رب العالمين.
وكتبه
حاتم الحاج
21/07/1439 الموافق 06/04/2018
حكم المحكم لازم بعد صدوره عند عامة أهل العلم كونه قد صدر من ذي ولاية شرعية، والراجح سقوط خيار المتحاكمين في عزل المحكم متى شرع فيه إلا أن يتفقا.
لا شك أن المحكم كالقاضي يجري على حكمه النقض متى خالف الأصول.
أما إذا كان الحكم مما يسوغ فيه الاجتهاد، فالراجح هو قول الجمهور بعدم نقضه، فإن مآل رد الأحكام المختلف فيها حصول التهارج وضياع هيبة الأحكام، وفساد ذات بين الحكام.
الذي يسوغ فيه الاجتهاد هو ما كان موافقًا لقول أحد الأئمة المعتبرين كالأربعة وأمثالهم، وله حظ من النظر، وعمل به فريق من المسلمين فلم يهجر.
شرط التحكيم جائز أو مستحب في العقود كافة، وكذلك الاتفاق على جهة تدقيق الأحكام، التي يطعن أمامها في قرارات الحكام، سواء في العقد الأول أو في عقد التحكيم، فإن الأصل في العقود رضا المتعاقدين ومقصودها حفظ حقوقهما وموجبها هو ما أوجباه على أنفسهما بالتعاقد، كما إن الأصل في الشروط النفاذ. قال رسول الله r: “وَالْمُسْلِمُونَ على شُرُوطِهِمْ إلا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أو أَحَلَّ حَرَامًا.”
جهة تدقيق الأحكام ينبغي أن تكون محل ثقة المسلمين ومتأهلة لذلك، فإن القضاء ولا ريب مرتقى صعب مسلكه، فما بالك بتدقيق الأحكام.
إن مجمع فقهاء الشريعة بما يضمه من كوادر داخل الأمريكتين وخارجهما، وما يعتمده من آليات، وما يظهره من حرص على عدم التساهل والتغرير والمخاطرة بشأن الأحكام الشرعية، لمؤهل للقيام بتدقيق الأحكام مع غيره من المؤسسات التي تتسم بنفس الصفات.
إنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له، لذا لزم السعي إلى تثبيت أركان التحكيم بين المسلمين واتخاذ كل التدابير والتراتيب التي تضمن سلامة هذه الأحكام ومصداقيتها وإلزامها. ومن ذلك:
- نشر الوعي بين المسلمين بحقائق الإيمان وأن تحكيم شرع الله من كبريات تلك الحقائق.
- حض المسلمين على تضمين شرط التحكيم في عقودهم كافة. وكذلك النص على استقلاله عن العقد الأصلي، حتى إن فسد العقد، لا يفسد الشرط.
- اتفاق المسلمين على هيئة تنصب لهم القضاة أو تفوض المحكمين.
- الحرص على مصداقية المحكمين، وإننا وإن قلنا بأنه لا يشترط فيهم ما يشترط في القضاة، للزم مع ذلك التأكيد على ضرورة مشاورتهم لأهل العلم.
- زيادة عدد المحكمين تزيد من مصداقية هيئات التحكيم.
- يحسن الإشهاد على الرضا بالحكم قبل الدخول فيه وتوثيق ذلك العقد والإمضاء عليه عند المعنيين فهذا يجعله ألزم من جهة القانون، وكذلك تفويض القاضي غير المسلم للمحكم المسلم.
- يجدر بالمحكمين الإشهاد على الأحكام، فإنه وإن لم يكن شرطًا في صحة التحكيم فهو شرط لقبول قول المحكمين عند الإنكار.
- يحسن رفع الأحكام المهمة إلى هيئة تدقيق يتفق عليها المسلمون، وذلك لاتفاق العلماء عندئذ على منع نقضها من محكم آخر ما لم تكن باطلا لا مجال فيها للاجتهاد.
- الأصل عدم الحاجة إلى وجود مستشار قانوني في هيئات التحكيم، ولكن إن تعين وجوده كسبيل وحيد لضمان الضبط القانوني، فلا يبعد لزومه متى كانت تكاليفه مقدورًا عليها.
لقد استقر عند عامة أهل العلم – بعد خلاف – جواز أخذ الأجر على القربات التي تحتاج إلى من يقوم عليها ممن تأهل لها، ولا تجري عليه أرزاق من بيت المال وذلك لتفريغه لتلك المهام. والقول بغير ذلك مآله إلى ضياع أكثر هذه الولايات والعجز عن تلك المهمات.
الظاهر جواز أخذ الأجرة على الحكم بين الناس لمن ينتصب لهذا الأمر الشريف، ممن يستغرق أوقاته في فصل الخصومات وفض النزاعات، وهذا مع الشروط التي ذكرها أهل العلم من وجود الحاجة وانتفاء الشبهة، فإن إقامة العدل بين المسلمين من أعظم مصالح دينهم ودنياهم، وإذا لم تتوفر الكفاية لمن ينتصب لها من النابهين، زهد فيها القادرون عليها وتناوشها الطامحون إليها ممن لم يعد لها عدتها ولا يملك شيئًا من آلتها.
جعل العوض نسبة من المبلغ المتنازع عليه جائز كون الجعل مع ذلك يبقى معلوما، ولكن الأولى ترك ذلك كون الأصل أن الحكم بين الناس بالعدل من الواجبات، وإنه وإن لم يتعين على آحاد العلماء، فأعدادهم قليلة، والحاجة إليهم جليلة، وقد تنصرف همم البعض منهم إلى فصل النزاعات بين الأغنياء دون الفقراء، وإنما جاز لهم أخذ كفايتهم لا غير، فالذي ينبغي هو ضبط الأمر بعدد الساعات التي يستغرقها العمل، وتحديد الأجر بالساعة، فإما أن يكتفى بذلك فتكون إجارة لا جعالة فيها، وتكون الأجرة على الحبس دون الحكم. وإما أن يضرب حد أعلى لأتعاب المحكمين في القضية كجعل، فإن فسخ المتحاكمان أو أحدهما أو فشل التحكيم، علم عدد الساعات المبذولة وأجرة الساعة، فكان مجموع ذلك أجر المثل، فإن جاوز المجموع ما سموه، فليس للمحكمين إلا المسمى.
- الأحكام السلطانية والولايات الدينية [كتاب]/ المؤلف أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري البغدادي الماوردي. – بيروت: دار الكتب العلمية – 1405هـ- 1985م.
- الاختيار لتعليل المختار [كتاب]/ المؤلف عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي الحنفي/ تحقيق: عبد اللطيف محمد عبد الرحمن. – بيروت: دار الكتب العلمية، 1426 هـ – 2005 م، الطبعة الثالثة.
- أسنى المطالب في شرح روض الطالب [كتاب]/ المؤلف زكريا الأنصاري. – القاهرة: دار الكتاب الإسلامي. – شرح فيه (روض الطالب) أحد المتون الشافعية المعتمدة للعلامة شرف الدين إسماعيل بن أبي بكر بن عبد الله اليمني المقرئ المتوفى سنة (837هـ).
- إعلام الموقعين عن رب العالمين [كتاب]/ المؤلف محمد بن أبي بكر الزرعي (ابن القيم)/ المحقق طه عبد الرؤوف سعد. – بيروت: دار النشر ودار الجيل، 1973 م.
- الأم [كتاب]/ المؤلف محمد بن إدريس الشافعي. – بيروت: دار المعرفة، 1393 هـ. – الثانية.
- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل [كتاب]/ المؤلف علي بن سليمان المرداوي، أبو الحسن/ تحقيق: محمد حامد الفقي. – بيروت: دار إحياء التراث العربي.
- البدر المنير في تخريج الأحاديث والأثار الواقعة في الشرح الكبير [كتاب]/ المؤلف عمر بن علي بن أحمد الأنصاري الشافعي (ابن الملقن)/ المحقق مصطفى أبو الغي. – الرياض: دار الهجرة للنشر والتوزيع، 1425هـ. – الأولى. – خرج فيه ابن الملقن (ت 804هـ) أحاديث (فتح العزير بشرح الوجيز = الشرح الكبير) للرافعي (ت 623هـ) وهو شرح لكتاب (الوجيز) في الفقه الشافعي لأبي حامد الغزالي (ت 505هـ).
- التاج والإكليل لمختصر خليل [كتاب]/ المؤلف محمد بن يوسف بن أبي القاسم العبدري (المواق)، أبو عبد الله. – بيروت: دار الفكر، 1398 هـ. – الثانية. – شرح فيه (مختصر خليل) أحد المتون المالكية المعتمدة للعلامة أبي محمد ضياء الدين خليل ابن إسحاق بن موسى بن شعيب المتوفى سنة (776هـ).
- تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام [كتاب]/ المؤلف إبراهيم بن محمد بن فرحون اليعمري/ المحقق جمال مرعشلي. – بيروت: دار الكتب العلمية، 1422هـ.
- تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق [كتاب]/ المؤلف عثمان بن علي الزيلعي. – القاهرة: دار الكتاب الإسلامي، 1313هـ. – شرح فيه (كنز الدقائق) أحد المتون الحنفية المعتمدة للعلامة أبي البركات حافظ الدين عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي المتوفى سنة (710هـ).
- التحبير شرح التحرير في أصول الفقه، تأليف: [كتاب]/ المؤلف علي بن سليمان المرداوي الحنبلي، علاء الدين أبو الحسن/ تحقيق: عبد الرحمن الجبرين، عوض القرني، أحمد السراح. – الرياض: مكتبة الرشد، 1421هـ.
- تحفة المحتاج في شرح المنهاج [كتاب]/ المؤلف أحمد بن حجر الهيتمي. – بيروت: دار إحياء التراث العربي. – شرح فيه (منهاج الطالبين وعمدة المفتين) أحد المتون الشافعية للنووي (ت 676هـ) اختصار (المحرر) للرافعي (ت 623هـ) والذي استمده من (الوجيز) للغزالي (ت 505) اختصار (الوسيط) له، اختصار (البسيط) له أيضًا، اختصار (نهاية المطلب في دراية المذهب) للجويني (ت 478هـ).
- الجامع الصحيح المختصر (صحيح البخاري) [كتاب]/ المؤلف محمد بن إسماعيل البخاري/ المحقق مصطفى ديب البغا. – بيروت: دار ابن كثير واليمامة، 1407 هـ. – الثالثة.
- الجامع لأحكام القرآن [كتاب]/ المؤلف أبو بكر محمد بن عبد الله ابن العربي. – بيروت: دار الكتب العلمية. – الأولى.
- حاشية ابن عابدين (حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار) [كتاب]/ المؤلف محمد بن أمين بن عمر (ابن عابدين). – بيروت: دار الفكر، 1421هـ. – حاشية على الدر المختار، وهو شرح العلامة الحصكفي المتوفى (1088هـ) على كتاب تنوير الأبصار للعلامة ابن تمرتاش الغزي الحنفي المتوفى (1004هـ).
- حاشية إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين لشرح قرة العين بمهمات الدين [كتاب]/ المؤلف أبو بكر ابن السيد محمد شطا الدمياطي. – بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. – حاشية على حل ألفاظ فتح المعين لشرح قرة العين بمهمات الدين لزين الدين بن عبد العزيز المليباري (ت987 هـ).
- حاشية الشيخ سليمان الجمل على شرح المنهج ( لزكريا الأنصاري ) [كتاب]/ المؤلف سليمان الجمل. – بيروت: دار الفكر.
- حاشية رد المختار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار فقه أبو حنيفة [كتاب]/ المؤلف ابن عابدين. – بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر، – 1421هـ – 2000م.
- الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي وهو شرح مختصر المزني [كتاب]/ المؤلف علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري الشافعي/ تحقيق: الشيخ علي محمد معوض – الشيخ عادل أحمد عبد الموجود. – بيروت: دار الكتب العلمية، 1419 هـ. – شرح فيه مختصر المزني، فجاء موسوعة عبقرية في الفقه الشافعي.
- الخرشي على مختصر سيدي خليل [كتاب]/ المؤلف الخرشي. – بيروت: دار الفكر للطباعة.
- الدر المختار [كتاب]/ المؤلف محمد بن علي بن محمد الحنفي الحصكفي. – بيروت: دار الفكر، 1386 هـ.
- درر الحكام شرح مجلة الأحكام [كتاب]/ المؤلف علي حيدر/تحقيق وتعريب: المحامي فهمي الحسيني. – بيروت: دار الكتب العلمية.
- روضة الطالبين وعمدة المفتين [كتاب]/ المؤلف يحيى بن شرف النووي، محيي الدين أبو زكريا. – بيروت: المكتب الإسلامي، 1405 هـ.
- سنن ابن ماجه (بتحقيق مشهور) [كتاب]/ المؤلف محمد بن يزيد أبو عبدالله القزويني/ بتحقيق مشهور بن حسن آل سلمان وحكم الألباني على درجة الحديث.- الرياض: مكتبة المعارف. – الأولى.
- سنن أبي داود [كتاب]/ المؤلف سليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني الأزدي/ المحقق محمد محيي الدين عبد الحميد. – بيروت: دار الفكر.
- سنن البيهقي الكبرى [كتاب]/ المؤلف أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي/ المحقق محمد عبد القادر عطا. – مكة المكرمة: مكتبة دار الباز، 1414 هـ.
- سنن الدارقطني [كتاب]/ المؤلف علي بن عمر أبو الحسن الدارقطني البغدادي/ تحقيق: السيد عبد الله هاشم يماني المدني. – بيروت: دار المعرفة، 1386 هـ.
- الشرح الكبير [كتاب]/ المؤلف أحمد الدردير أبو البركات/ تحقيق: محمد عليش. – بيروت: دار الفكر. – شرح فيه (مختصر خليل) أحد المتون المالكية المعتمدة للعلامة أبي محمد ضياء الدين خليل بن إسحاق بن موسى بن شعيب المتوفى سنة (776هـ).
- صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان [كتاب]/ المؤلف محمد بن حبان بن أحمد، أبو حاتم التميمي البستي/ تحقيق: شعيب الأرنؤوط. – بيروت: مؤسسة الرسالة، 1414 هـ. – الثانية.
- صحيح البخاري (الجامع الصحيح المختصر) [كتاب]/ المؤلف محمد بن إسماعيل البخاري. – بيروت: دار ابن كثير واليمامة، 1407 هـ. – الثالثة.
- صحيح مسلم [كتاب]/ المؤلف مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري/ المحقق محمد فؤاد عبد الباقي. – بيروت: دار إحياء التراث العربي.
- العناية شرح الهداية [كتاب]/ المؤلف محمد بن محمد البابرتي. – بيروت: دار الفكر.
- غياث الأمم والتياث الظلم [كتاب]/ المؤلف عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني أبو المعالي/ تحقيق: فؤاد عبد المنعم، مصطفى حلمي. – الاسكندرية: دار الدعوة، 1979، الطبعة: الأولى.
- الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية [كتاب]/ المؤلف أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني/ تقديم حسنين محمد مخلوف. – بيروت: دار المعرفة.
- فتح الباري شرح صحيح البخاري [كتاب]/ المؤلف أحمد بن علي بن حجر العسقلاني/ المحقق محب الدين الخطيب. – بيروت: دار المعرفة.
- فتح العلي المالك [كتاب]/ المؤلف محمد بن أحمد بن محمد (الشيخ عليش)، طبعة دار المعرفة.
- فتح المعين [كتاب]/ المؤلف زين الدين بن عبد العزيز بن زين الدين ابن علي بن أحمد المعبري المليباري الهندي (المتوفى : 987هـ) الوفاة: 987 ، دار النشر :
- كشاف القناع عن متن الإقناع [كتاب]/ المؤلف منصور بن يونس بن إدريس البهوتي/ تحقيق: هلال مصيلحي مصطفى هلال. – بيروت: دار الفكر، 1402 هـ. – شرح فيه (الإقناع) للحجاوي (ت960هـ).
- لسان العرب [كتاب]/ المؤلف محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري. – بيروت: دار صادر. – الأولى.
- المبدع في شرح المقنع [كتاب]/ المؤلف إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن مفلح الحنبلي، أبو إسحاق. – بيروت: المكتب الإسلامي، 1400 هـ. – شرح فيه العلامة إبراهيم بن مفلح (ت 884هـ) (المقنع) وهو أحد المتون الحنبلية المعتمدة لإمام عصره موفق الدين بن قدامة المقدسي المتوفى سنة (620هـ).
- المبسوط [كتاب]/ المؤلف أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، شمس الأئمة. – بيروت: دار المعرفة. – شرح فيه شمس الأئمة السرخسي (ت 483هـ) كتاب (الكافي) لأبي الفضل المروزي المعروف بالحاكم الشهيد (ت 344هـ) والذي جمع فيه كتب ظاهر الرواية (المبسوط والزيادات، والجامع الكبير والصغير، والسير الكبير والصغير) لمحمد بن الحسن الشيباني (ت 189هـ).
- مجلة الأحكام العدلية ، اسم المؤلف: جمعية المجلة الوفاة: 9999 ، دار النشر : كارخانه تجارت كتب ، تحقيق : نجيب هواويني
- مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر [كتاب]/ المؤلف عبد الرحمن بن محمد بن سليمان الكليبولي، المدعو بشيخي زاده/ تحقيق: خليل عمران المنصور. – بيروت: دار الكتب العلمية، 1419هـ. – شرح فيه عبدالرحمن بن محمد بن سليمان (شيخي زاده) (ت 1078هـ) كتاب (ملتقى الأبحر) للإمام إبراهيم بن محمد الحلبي (ت 956هـ)، وهو من المتون الحنفية المعتمدة، وأورد الشارح آراء أصحاب المذهب، والشافعي أحيانًا.
- المجموع شرح المهذب [كتاب]/ المؤلف يحيى بن شرف النووي. – بيروت: دار الفكر، 1997م. – من أجمع كتب الفقه الشافعي بل الإسلام، شرح فيه النووي (المهذب) لأبي إسحاق الشيرازي (ت 476هـ) ولم يتمه، وإنما شرح ربع الأصل في 9 مجلدات، ثم مات، وجاء تقي الدين السبكي (ت 756هـ) فزاد ثلاثًا، ثم مات، ولم يتمه إلا الحضرمي والعراقي ثم محمد نجيب المطيعي.
- مختصر خليل في فقه إمام دار الهجرة [كتاب]/ المؤلف خليل بن إسحاق بن موسى المالكي/ تحقيق أحمد علي حركات. – بيروت: دار الفكر، 1415 ،
- المستدرك على الصحيحين [كتاب]/ المؤلف محمد بن عبدالله الحاكم النيسابوري/ المحقق مصطفى عبد القادر عطا. – بيروت: دار الكتب العلمية، 1411هـ. – الأولى.
- مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى [كتاب]/ المؤلف مصطفى السيوطي الرحيباني. – دمشق: المكتب الإسلامي، 1961م. – شرح (غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى) للكرمي (ت 1033هـ) جمع (الإقناع) للحجاوي (ت960هـ) و(منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات) لابن النجار (ت972هـ) والذي جمع بين (التنقيح المشبع) للمرداوي (ت885هـ) و(المقنع) لابن قدامة (ت620هـ).
- مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج [كتاب]/ المؤلف محمد الخطيب الشربيني. – بيروت: دار الفكر. – شرح فيه (منهاج الطالبين وعمدة المفتين) أحد المتون الشافعية للنووي (ت 676هـ) اختصار (المحرر) للرافعي (ت 623هـ) والذي استمده من (الوجيز) للغزالي (ت 505) اختصار (الوسيط) له، اختصار (البسيط) له أيضًا، اختصار (نهاية المطلب في دراية المذهب) للجويني (ت 478هـ).
- المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني [كتاب]/ المؤلف عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي. – بيروت: دار الفكر، 1405 هـ. – الأولى. – ليس يقتصر على المذهب الحنبلي، بل يعرض الخلاف داخل وخارج المذهب، مع الاستدلال والترجيح، فكان عمدة كتب الفقه المقارن، ولم يدانه في بابه كتاب.
- المنتقى شرح الموطأ [كتاب]/ المؤلف سليمان بن خلف الباجي. – القاهرة: دار الكتاب الإسلامي.
- منح الجليل شرح على مختصر سيد خليل [كتاب]/ المؤلف محمد عليش. – بيروت: دار الفكر، 1409هـ. – شرح فيه (مختصر خليل) أحد المتون المالكية المعتمدة للعلامة أبي محمد ضياء الدين خليل بن إسحاق بن موسى بن شعيب المتوفى سنة (776هـ).
- مواهب الجليل لشرح مختصر خليل [كتاب]/ المؤلف محمد بن عبد الرحمن المغربي (الحطاب)، أبو عبد الله. – بيروت: دار الفكر، 1398 هـ. – شرح فيه (مختصر خليل) أحد المتون المالكية المعتمدة للعلامة أبي محمد ضياء الدين خليل بن إسحاق بن موسى بن شعيب المتوفى سنة (776هـ).
- نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج [كتاب]/ المؤلف محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة ابن شهاب الدين الرملي، شمس الدين. – بيروت: دار الفكر للطباعة، 1404هـ. – شرح فيه (منهاج الطالبين وعمدة المفتين) أحد المتون الشافعية للنووي (ت 676هـ) اختصار (المحرر) للرافعي (ت 623هـ) والذي استمده من (الوجيز) للغزالي (ت 505) اختصار (الوسيط) له، اختصار (البسيط) له أيضًا، اختصار (نهاية المطلب في دراية المذهب) للجويني (ت 478هـ).
- الهداية شرح بداية المبتدي [كتاب]/ المؤلف علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الرشداني المرغيناني، أبو الحسن. – القاهرة: المكتبة الإسلامية. – شرح فيه الإمام العلامة المرغيناني (ت 593هـ) متن (بداية المبتدي) له (أي الماتن هو الشارح) ومتن البداية هو أحد المتون الحنفية المعتمدة والذي جمع فيه مسائل القدوري والجامع الصغير لمحمد بن الحسن.
[1] المجلة ج 1 ص 365
[2] انظر: درر الحكام شرح مجلة الأحكام ج 4 ص 640
[3] العناية شرح الهداية ج 10 ص 294؛ تبيين الحقائق ج 4 ص 194
[4] تبصرة الحكام ج 1 ص 48 – 50
[5] الإنصاف للمرداوي ج 9 ص 241
[6] الحاوي الكبير ج 16 ص 170 – 172
[7] تبيين الحقائق ج 4 ص 194
[8] سنن أبي داود ج 4 ص 289
[9] سنن البيهقي الكبرى ج 5 ص 268
[12] مختصر خليل ج 1 ص 207 – 208.
[13] شرح مختصر خليل ج 5 ص 300
[14] مغني المحتاج ج 4 ص 378
[15] المغني ج 10 ص 137
[16] مغني المحتاج ج 4 ص 378
[17] أحكام القرآن لابن العربي ج 2 ص 125
[18] مغني المحتاج ج 4 ص 379
([19]) الأنعام: 57, ويوسف: 40.
([20]) الكهف: 26، وقد قرأها ابن عامر أحد القراء السبعة (ولا تشركْ في حكمه أحدًا) بلا الناهية، وانظر إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر ص 289.
[23] حاشية ابن عابدين ج 5 ص 368 – 369.
[24] شرح مختصر خليل ج 4 ص 14
[25] غياث الأمم ج 1 ص 279
[26] الأحكام السلطانية ج 1 ص 58
[27] قد تقوم هيئات إسلامية بهذا الدور في البلدان الغربية.
[28] الحاوي الكبير ج 16 ص 326
[29] الحاوي الكبير ج 16 ص 326
[30] تبصرة الحكام ج 1 ص 50
[31] درر الحكام شرح مجلة الأحكام ج 4 ص 644 وانظر أيضًا: الاختيار تعليل المختار ج 2 ص 100؛ العناية شرح الهداية ج 10 ص 294
[32] الشرح الكبير ج 2 ص 346
[33] تبصرة الحكام ج 1 ص 50
[34] الحاوي الكبير ج 16 ص 326
[35] الإنصاف للمرداوي ج 9 ص 241
[36] الحاوي الكبير ج 16 ص 326
[37] قال ابن الملقن في البدر المنير، 9/554: غريب لا يحضرني من خرجه من أصحاب الكتب المعتمدة ولا غيرها.
[38] لم يرد بهذا اللفظ، وإنما ورد بلفظ “من كتم علما ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار.” رواه الحاكم (المستدرك على الصحيحين ج1: ص 18) وغيره وقال: هذا إسناد صحيح من حديث المصريين على شرط الشيخين وليس له علة، ووافقه على تصحيحه جماعة منهم المنذري والزرقاني والزركشي والألباني.
[39] درر الحكام شرح مجلة الأحكام ج 4 ص 644 وانظر أيضًا: الاختيار تعليل المختار ج 2 ص 100؛ العناية شرح الهداية ج 10 ص 294
[40] تبيين الحقائق ج 4 ص 194
[41] الحاوي الكبير ج 11 ص 0
[42] المغني ج 10 ص 137
[43] الحاوي الكبير ج 16 ص 326
[44] أحكام القرآن لابن العربي ج 2 ص 125
[45] درر الحكام شرح مجلة الأحكام ج 4 ص 639
[46] حاشية ابن عابدين ج 3 ص 34
[47] تبصرة الحكام ج 1 ص 50
[48] الشرح الكبير ج 4 ص 136
[49] الحاوي الكبير ج 16 ص 172
[50] المغني ج 10 ص 137
[51] إعلام الموقعين ج 3 ص 288
[52] الإنصاف للمرداوي ج 9 ص 241
[53] تبيين الحقائق ج 4 ص 194
[54] سنن البيهقي الكبرى ج 10 ص 120
[56] مجموع الفتاوى ج 29 ص 154 – 155
[57] سنن الترمذي ج 3 ص 634 . وقال حسن صحيح.
[58] صحيح البخاري ج 2 ص 970
[59] إعلام الموقعين ج 3 ص 387
[60] سنن البيهقي الكبرى ج 10 ص 150
[61] درر الحكام شرح مجلة الأحكام ج 4 ص 644. وانظر كلام ابن عابدين في المقدمة عن تنصيب المسلمين في تلك البلاد واليًا عليهم، وقد تكون هيئة في أحوالنا المعاصرة.
[62] المنتقى شرح الموطأ ج 5 ص 228
[63] مغني المحتاج ج 4 ص 379
[64] الإنصاف للمرداوي ج 9 ص 241
[65] درر الحكام شرح مجلة الأحكام ج 4 ص 644
[66] درر الحكام شرح مجلة الأحكام ج 4 ص 639
[67] المبسوط للسرخسي ج 15 ص 4
[68] ج 1 ص 410
[69] حاشية الجمل على شرح المنهج ج 5 ص 348
[70] الفتاوى الفقهية الكبرى ج 4 ص 310
[71] التحبير شرح التحرير ج 8 ص 4048
[73] أسنى المطالب في شرح روض الطالب ج 2 ص 442
[74] كشاف القناع ج 4 ص 206
[75] الإنصاف للمرداوي ج 6 ص 390