يعيش أبناء المشروع الإسلامي بمصر لحظات عصيبة، يرمقون فيها تطور الأوضاع، يحدوهم الرجاء ويصيبهم أحيانًا الأسى والخوف. وفي هذه الأوقات يجمل التفكر في أولويات المرحلة حتى لا نكون نحن سببًا في أي مكروه يحصل لنا أو لمشروعنا، فإن خصومه قد يكيدون لنا، ولكننا إن أتينا، فإنما سنؤتى من عند أنفسنا ومن قبل ذنوبنا وتقصيرنا، ومن أخطر هذا التقصير عدم السعي المخلص الجاد الدؤوب في مأسسة العمل الإسلامي، بجمعياته وجماعاته ومنظماته وأحزابه. وبين يدي مقالي هذا أوضح أنه لا يعني بحال إهمال العمل الفردي، ولكن إنشاء مؤسسات قوية وتطوير الأداء المؤسسي لما عندنا منها.
قد يقول قائل، لماذا هذا المقال الآن؟ أو يقول، هذا بالفعل ما نصنع في جماعتنا أو حزبنا، أو يقول، وهل الإسلاميون وحدهم هم المقصرون في هذا الباب؟ أرجو أن يعلم هذا القائل وكل قارئ لهذا المقال أن صاحبه واحد من أبناء الصحوة الإسلامية، ويظن نفسه من أشدهم ولاء لها وحرصًا عليها، وقد عاش عمره مخالطًا لبقية أبنائها، داخل مصر وخارجها، وليس يريد بهذا المقال سوى نذارة قومه ونصحهم بما يراه من أهم واجبات الساعة. والمنصفون من أبناء العمل الإسلامي المدركون لحقيقة العمل المؤسسي ومعاييره المعاصرة، والمطلعون على أحوال مؤسساتنا الإسلامية في بلاد الإسلام وخارجها، تكاد تتفق كلمتهم أن الطريق أمامنا طويل وأن ثمة تقصيرًا في قطع مراحله. أما وجود هذا التقصير عند غير أبناء المشروع الإسلامي، فحدث ولا حرج، فكلنا في الهم شرق، ولكن لو حجزنا هذا عن السعي للإصلاح، فسنبقى جميعًا في حيص بيص، فلنقدم نحن لبقية شركاء الوطن أنصع نماذج العمل المؤسسي وأحسنها.
أحضر في هذه الأيام مؤتمرًا لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، وجمعني فيه لقاء بالدكتور سالم الشيخي، وزير الأوقاف الليبي السابق، والذي أمضى نحوًا من خمس عشرة سنة بالمملكة المتحدة قبل تحرير ليبيا من نظام القذافي. كلمني عن التجربة الليبية في المأسسة، وتذاكرنا أحوال المؤسسات الإسلامية في العالم، واتفقنا على ضعف تجربتنا في العمل المؤسسي كمسلمين، وإسلاميين على وجه الخصوص. قال لي إن من أكبر مشكلاتنا هو أننا فشلنا في تحويل قيمنا العظيمة إلى فعل ملموس بالواقع، بينما نجح الغربيون في تحويل ما عندهم من قيم إلى مجموعة إجراءات، يمكن بسهولة قياس نجاحها، ومحاسبة من قصر تجاهها. أعجبني ما سمعت منه لأنني كنت دائمًا معنيًا بمأسسة بعض جمعياتنا الإسلامية بأمريكا، وكانت لي في ذلك مشاركة أرجو أن يتقبلها الله تعالى.
أنا لن أستطيع أن أشرح في هذا المقال أسس وآليات العمل المؤسسي، والتي يختلف بعضها باختلاف المؤسسات، ولكني سأتقدم إلى العاملين في الحقل الإسلامي بمجموعة التماسات، مشفوعة بالرجاء الحار ألا يهملها من يسمعها، وإلم يجد فيها جديدًا، فإن الذكرى تنفع المؤمنين.
· تجديد النية ومراقبة النفس.
· إن كنت ممن لا يحسنون العمل المؤسسي، وشعرت أنك ربما تكون عقبة في طريق مأسسة منظمتك، فتأكد أنك لست آخر الصالحين أو العباقرة، وأن لهذا الدين ربًا يحميه، وأنه لن يضار بتأخرك أو تنحيك عن صدارة تلك المنظمة.
· إن كنت ممن يحسنون العمل المؤسسي، فاصبر على إخوانك حتى يتعلموه ويعلموا فوائده، ولا تتركهم بسبب إحباطك، فإنك إن فعلت تركت خيرًا كثيرًا ووجدت في كل واد نزلته بني سعد.
· حددوا رؤية مؤسستكم تحديدًا واضحًا، وغاياتها، وأهدافها المرحلية، وخريطة مشاريعها، وأولوياتها، وثقافتها (مجموعة القيم، كالشورى والشفافية وتشجيع الإبداع، إلخ)، وآليات تفعيل تلك الثقافة، ومعايير قياس النجاح في كل ما سبق، وآليات محاسبة المقصرين.
· امنعوا كل أسباب إعاقة المؤسسات عن تطوير أدائها، فلا تخلطوا الأوراق وفرقوا بين المؤسسات ذوات المهام المختلفة، ودعكم من فكرة الأذرع، فالمؤسسة التي هي ذراع لأخرى مؤسسة فاقدة للعقل؛ ألا ترى أن المخ لا يسكن في الذراع.
· انصح إخوانك بتكوين لجنة داخل منظمتك لا تفعل شيئًا سوى الإشراف على تطوير الأداء المؤسسي لها. إن نسيت كل ما سبق، فلا تنس هذه وتجديد النية!
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم : “لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ”
اللهم صل على الإمام الأعظم الصادق الأمين، والحمد لله رب العالمين.