السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أنا طبيبة نفسية -منذ حوالى 15 سنة كنت فى نوبتجية مكلفة من زميل في قسمي بمتابعة التاكد من أن طبيب جراح قد جاء لفحص مريض فى قسمى حيث كان يعاني من ارتفاع فى درجة حرارته و يشكون أن سببها جراحى و لأن الجراح لم يات أثناء النهار كان مطلوب مني أن أتابع هذا الأمر في النوبتجية- اكتفيت بمتابعة الأمر بالتليفون مع التمريض و بعدلا أتذكر كم مرة محاولة استدعاء قررت إرسال المريض مع التمريض لذلك القسم للفحص هناك ثم يعود بعد الفحص مباشرة بمعني بدلا من انتظار الطبيب- يذهب اليه المريض ثم يعودلتوفير الوقت – و ذلك شئ مقبول في الأحوال العادية و يحدث عادة عندما تستدعى الحاجة وتسمح حالةالمرضى و هو ما لم أتأكد منه ولا أتذكر حتي إن كنت سالت عنه- لم يستفد المريض شئ من ذهابه حيث كان الطبيب
المطلوب مشغول ووعدوا بارسال ـجراح إلي قسمنا عندما يتيسر ذلك و عاد المريض و – تم إبلاغي بعد عدة ساعات بوفاته- لا أتخيل أني لم أكلف نفسى بمقابلة المريض -كانت أول مرة أراه بعد وفاته فوجئت أنه ضخم الجسم فحزنت لأني أدركت صعوبة نقله و رجوعه – التمريض هم الذين يرتبون هذه الأشياء – ربما لو كنت رأيت المريض قبل إرساله كان لى تصرف آخر! لا أعرف لا أستطيع أن أتأكد من سبب وفاته وهل أنا السبب بارسالي له على الكرسى المتحرك أو التروللى أو طريقةأخرى لا أعرف و هو مرتفع الحرارة( لا أتذكر إذا كان شتاء أو صيف) (القسم اللآخر يبعد عدة مبانى عن قسمنا) اذا كان سبب الاحمرار في رجله وجود جلطة وهذا اجتمال كان مطروحا قد تكون الحركة قتلته !!ممكن جدا أم أنه كان سيتوفي في جميع الأحوال نتيجة مرضه العضوى الذي لم يشخص أو يعالج نتيجة انشغال الاطباء المطلوبين ؟؟-
ما يعذبنى أشد عذاب هو أني أشعر أن هدفي لم يكن خوفي علي المريض ولكن أرسلته فقط لحرصي علي انهاء المهمة التي كان علي إنجازها و هى إستشارة جراح و غيظا من الطبيب الذي لم يجضر بالرغم من استدعاءه أكثر من مرة- أنا لا أتذكر تفاصيل كثيرة لطول المدة قد يكون منها ما يدينني أكثر أو ما يشفع لي -إذا كنت غير متأكدة من أنى السبب المباشر للوفاة إلا أني لا أجد أى عذر أمام الله و لا المريض لاهمالى و تقصيرى لادني حقوقه المعنوية أنا لم أوضح في سؤالي أنه من واجبات الطبيب النوبتجي أن يقوم بالمرور علي جميع المرضى المحجوزين للإطمئنان علي إستقرار حالتهم و التدخل إذا كانت هناك مشكلة و هو ما لم أقم به من مرور علي المريض وإكتفيت بسماع الأخبار من التمريض وذلك تقصير شديد من ناحيتي -ماذا أفعل ليسامحني الله- – ادعوا الله أن يغفر لي. وأن يسامحني المريض
سؤالي:
إذا كنت غير متيقنة من مشاركتي أو حجم دوري في وفاة المريض فماذا يجب علي فعله
ثانيا: اذا كان علي دية ولم أؤدها هل تغني التوبة و الإستغفار وبماذا تنصحني
ثالثا: هل دية المريض العقلي تختلف عن الإنسان العادى؟
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله. أما بعد،
فإن الطبيب قد تحمل بتطبيبه للناس أمانة عظيمة وحملاً ثقيلاً، فإما أن يأخذها بحقها و يؤدي الذي عليه فيها، أو يدعها، فلا يغرر بالناس و يضرهم فيفسد دنياه و آخرته.
و خطأ الطبيب قد يكون لأحد أربعة أسباب:
( 1 ) الاعتداء
و لا يتصور من الطبيب أن يريد ضرر المريض ولكن إن حصل فعليه لا الضمان فحسب بل والقصاص أو التعزير أيضاً ويكون الضمان هنا في ماله لا في مال عاقلته. قال الدسوقي في حاشيته: ” إنما لم يقتص من الجاهل ، لأن الغرض أنه لم يقصد ضرراً وإنما قصد نفع العليل أو رجا ذلك وأما لو قصد ضرره فإنه يقتص منه ” (حاشية الدسوقي: 4/355)
وهو واضح غاية الوضوح وموافق للشريعة التي لا يرتفع فيها أحد فوق المساءلة.
( 2 ) الجهـل ( أخطأ أو لم يخطئ )
والأصل في هذا حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله – صلى الله عليه و سلم – قال : ” من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن “)أبو داود : كتاب
الديات، باب فيمن تطبب بغير علم فأعنت ج 4 ص 195 برقم 4586 وحسنه الألباني)
والحديث نص في الجاهل الذي لا دراية له بالطب ثم هو يغرر بالخلق، وسواء في ذلك أخطأ أو لم يخطئ فإنه يضمن إذا حصل الضرر، وإنما ذكرناه في هذا القسم دون القسم الأول لأن
الغالب أنه مع الجهل يخطئ.
والضمان هنا يكون في ماله لا مال عاقلته. قال ابن رشد رحمه الله: ” والدية فيما أخطأه الطبيب عند الجمهور على العاقلة ومن أهل العلم من جعلها في مال الطبيب ولا خلاف
أنه إذا لم يكن من أهل الطب أنها في ماله على ظاهر حديث عمرو بن شعيب ” (بداية المجتهد: لابن رشد 2/3/3)
وهل على الجاهل أدب ( تعزير ) ؟ الجواب: نعم . جاء في تبصرة الحكام ” وينفرد الجاهل بالأدب ولا يؤدب المخطئ “(تبصرة الحكام: لابن فرحون 2/340)
( 3 ) التفريط والإهمــال
وهو دون الاعتداء لأنه لم يقصد منه الضرر وفوق الخطأ الذي لا إهمال معه كما هو ظاهر. فإذا كان الخطأ عن تقصير أو إهمال وقع الضمان على الطبيب لا على العاقلة.
وهل يكون عليه أدب ؟ لعله يحسن بالقائم على الحسبة – وفي هذه الحالة ربما تكون نقابة الأطباء أو غيرها من الهيئات الرقابية – أن يراقب مثل هذه الخروقات لقواعد المهنة
فإن تكررت من بعض الأطباء وقعت عليهم العقوبة الملائمة .
( 4 ) الخطــــأ
وهو أن يخطئ الطبيب الحاذق من غير اعتداء أو إهمال في فعل مأذون له فيه فيترتب على هذا الخطأ ضرر. وهذا الطبيب هو أولى الصنوف بالرفق ممن وقعت عليهم المسئولية ، ولذلك فإنه ينبغي أن يجعل الضمان على عاقلته لا عليه كما سبق. وهذا كما بينا فيما كان فوق ثلث الدية فإن كان دونها فعلى الطبيب (يجدر بالأطباء إنشاء
جمعيات للتأمين التعاوني الإسلامي حتى لا تجحف حوادث كتلك بأموالهم)
ثم هو ليس عليه أدب اتفاقاً لأنه غير مسيء. وقد قدمنا ما قاله ابن عبد السلام المالكي رحمه الله: “وينفرد الجاهل بالأدب (العقوبة) ولا يؤدب المخطئ ” (تبصرة
الحكام: لابن فرحون 2/340 ولم يخالف فيه أحد من أهل العلم )
أما التفريق بين المريض النفسي و غيره، فلا أصل له، و الدية تجب بالقتل الخطأ ما دام المقتول معصوم الدم، سواء في ذلك العاقل والمجنون، فضلاً عن المريض النفسي الذي لم يصل لحد الجنون.
أختنا الفاضلة، كان لا بد من هذه المقدمة لتوضيح خطورة التفريط الذي يكون من جهة الطبيب، و لكن الي يظهر في حالتك – مع تفريطك وتقصيرك، غفر الله لك – أنه يصعب الحكم أن وفاة المريض نتجت عن ذلك التقصير لأسباب:
- أنك طبيبة أمراض نفسية و ليس من اختصاصك علاج الأمراض العضوية، و قد حاولت أن تأتي بالمختص.
- لم يعرف سبب موت المريض بعمل الفحوصات اللازمة بعد الوفاة و ربما مات لسبب آخر.
إن هذا الذي ذكرت لا يعفيك من المسؤولية عن التفريط، و لكن إنما تجب الدية إن سبب ذلك الإهمال موت المريض، و هو ما يصعب الحكم به. أما إن قرر ذلك أهل الخبرة والاختصاص، فعليك الدية و العقوبة التي تراها المحكمة، فإن عجزت عن الدية، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، و تلزم الدولة (بيت المال) بدفعها.
و الذي يظهر لي أن تكثري من الاستغفار و الصدقة وأن تخلصي التوبة لله و تتحري الإتقان في عملك و الله يتوب على من تاب.
و الله تعالى أعلى و أعلم