بسـم اللـه الرحمــن الرحيــــم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
نشكركم على مجهودكم المثمر في خدمة الاسلام والمسلمين وارجو مساعدتكم لي كطبيبه في الوصول الى فتوى اكيده معلله بخصوص قضيه تخص فئه ليست قليله من المسلمين اختلف فيها الفقهاء ألا وهي (( مرض اضطراب الهويه الجنسيه )) أسألكم بالله ان تفيدونا، واعلموا ان هناك مرضى تتوقف حياتهم الدنيا على هذا الرد، كل املهم في الحياه ان يعيشوا كباقي البشر، لذا اسألكم سرعة الرد. وأبدأ بتوضيح آخر ما توصل اليه الطب في فهم هذا المرض.
ان مرض اضطراب الهويه الجنسيه المذكور في كل مراجع الطب النفسي العربيه والعالميه هو مرض يولد به الانسان وكانوا يرجعون سببه الى البيئه او التربيه، لكن مع التقدم الطبي اتضح ان هناك ما يسمى بـ(( الخطوط الجندريه او الجنسيه بالمخ )) وهي المسئوله عن تعريف و شعور المخ بالجنس الذي ينتمي اليه وهو ما يسمى بالهويه الجنسيه، وقد توصل العلماء الى ان هذه الخطوط تكون مختلفه في هؤلاء المرضى بحيث يشعر الانسان منذ ولادته انه ينتمي للجنس المعاكس لجنسه التشريحي… وتبين ان هذا الاختلاف يرجع الى اضطراب في الهورمونات التي يتعرض لها الجنين قبل الولاده مما يؤثر على جيناته وبالتالي الخطوط الجنسيه بالمخ و تبدأ مأساة اضطراب الهويه الجنسيه.
تبدأ الاعراض بالظهور منذ الولاده و حيث انه يختلف سلوك الرضيع الذكر عن الأنثى، فيتبع الرضيع المريض سلوك الجنس المعاكس، ثم تزيد وتتضح الاعراض اثناء الطفوله المبكره فيشعر الطفل الذكر (مثلا) الذي لم يتعدى 3 سنوات انه انثى ويسلك سلوك الطفله الانثى في مختلف نواحي حياته بداية من اسلوب اللعب وحتى طريقة قضاء حاجته ! وتعدد ظهور هذا المرض في واحد من التوائم المتماثله دون الاخر هو اثبات قطعي لا يقبل النقاش على ان هذا المرض يولد به الانسان وليس له ادنى علاقه بالبيئه او التربيه او هوى النفس او وساوس الشيطان كما يدعي الجاهلين.
ويتبين من هذا العرض المبسط للمرض انه وان كانت اعراضه تبدو نفسيه، فان سببه (عضوي) وهو عيب خلقي في المخ يجعل صاحبه ذو هويه جنسيه تخالف جنسه التشريحي الكروموسومي، مما يؤدي الى صراع شديد بين العقل والجسد يجعل المريض يكره اعضاؤه الجنسيه ومظاهر بلوغه كرها شديدا ويرغب في استئصالها بأي شكل حتى يتحرر من سجنه في هذا الجسد الذي يعتبره المخ ليس جسده.
ويختلف هذا تمام الاختلاف عن الشذوذ الجنسي او الجنسيه المثليه التي لا يرغب صاحبها في تغيير جنسه مطلقا ويؤمن بامكانية الممارسه الجنسيه بين شخصين من نفس الجنس في حين ان مريض اضطراب الهويه لا يؤمن بهذا مطلقا ويعتبره شذوذا عن الفطره، غير انه قد يقوم بتلك الممارسه يائسا وآسفا تحت سيطرة شعوره انه من الجنس الاخر ورغبته الملحه في تغيير جسده وعلى مدار السنين ومع كل هذا التقدم الطبي المذهل ألا ان العلاج النفسي لم يتمكن من علاج اي من هؤلاء المرضى ولم يفلح في تعديل هويتهم الجنسيه (المخيه) حتى تناسب اجسادهم ولم يبقى امام الطب سوى العلاج الجراحي حتى ينقذوا هؤلاء المرضى من يأسهم الشديد من الحياه وتفضيلهم الموت على العيش في اجساد ترفضها بل و تشمئز منها عقولهم.
ان الفتاوى التي تحرم عمليات تحويل الجنس لهؤلاء المرضى لم تقدم لهم الحل البديل لعدم قدرتهم على الاستمرار في الحياه في ظل تمزقهم بين العقل والجسد بل وتؤدي بهم الى الوقوع في الرذيله التي طالما تمنوا ان يتطهروا منها بالعمليه والزواج الشرعي.
ان الذي يولد بأي عيب خلقي ظاهر او خفي ( كالأعمى مثلا) اذا وجد فرصه للعلاج ترد له بصره فهل يعتبر هذا تغييرا لخلق الله؟؟ الم يكن الله قادرا على ان يخلفه مبصرا منذ البدايه ان شاء؟ فلماذا لا تحرم هذه العمليات ومثيلاتها ايضا؟؟ فالذي ولد اعمى كالذي ولد باضطراب الهويه تماما.
ان من يقول ان المقصود بالآيه الكريمه ( ولآمرنهم فليغيرن خلق الله) هو عمليات تحويل الجنس!! لماذا لا يعتبرالحقن المجهري تغييرا لخلق الله ومشيئته( ويجعل من يشاء عقيما ) وايضا وسائل منع الحمل وزراعة الأعضاء والأدويه التي تحتوي على هورمونات وغيرها الكثير………… فهل يمكن ان يخلق الله بشرا ويخلق به غريزه جنسيه و يحرمه من ممارستها في الحلال، و يحلل ذلك لباقي البشر وحتى الحيوانات؟؟؟ وهو الرحمن الرحيم الذي قال(( أحل لكم ليلة الصيام الرفث الى نسائكم هن لباس لكم وانتم لباس لهن، علم الله انكم كنتم تختانون انفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم )) ،،،، وهنا نرى سعة رحمة الله تعالى وهو اعلم بخلقه من انفسهم، فهو يعلم ان هذه الغريزه قويه جدا وان الانسان خلق ضعيفا……… فما ارحم الله عز وجل وما أقسى البشر !!!! فهل نقول لهؤلاء المرضى عليكم بالصيام حتى يرحمكم الله بالموت؟ عليكم بالاكثار منه قدر استطاعتكم وتحملوا مشقته وحرمانه اضافة الى معاناتكم وعذابكم وحرمانكم، فليس لكم اي حظ في النيا ولكم الجنه انشاء الله؟ ولا تحاولوا البحث عن دواء لأن حديث الرسول(ص) (تداووا عباد الله فما خلق الله من داء الا وجعل له دواء) ليس موجه اليكم !! لأ ن الفقهاء قالوا ان الله أراد ان يعذبكم في الدنيا، فلا تعملوا لدنياكم كأنكم تعيشون أبدا، بل فقط اعملوا لآخرتكم كانكم تموتون غدا، و تمنوا الموت لأنه ليس لكم من حل غيره !! فهل هذا هو معنى الفتوى بتحريم عمليات تحويل الجنس لمرضى اضطراب الهويه الجنسيه ؟؟
انه من المستحيل ان يتخيل الأصحاء مدى المعاناه والألم والعذاب الذي يعيش فيه ذلك المريض منذ ولادته مرورا بطفولته الحزينه ثم صراعات مراهقته وصولا الى يأسه من الحياه بأسرها في شبابه ورغبته الملحه في الموت للأنه الحل الوحيد.
نسألكم ان تدرسوا هذه القضيه بتمعن وأن تفتونا في أمرنا هذا بناءا على ما تقدم ولتعلموا فضيلتكم ان هناك العديد من المسلمين حياتهم متوقفه على رأيكم الحكيم، نسأل الله لنا و لكم التوفيق والهدايه.
ولكم جزيــــــــــــــــــــــــــــــــــل الشــــــكر
طبيــــبه مسلمـــــــــه
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله. أما بعد،
في اللغة: الخُنْثَى: الذي لا يخلص لذكر ولا أنثى، والخنثى: الذي له ما للرجال والنساء جميعاً، والجمع خَنَاثَى، مثل الحَبَالَى. والانْخِناث: التثني والتكسر. وخَنِث الرجل خَنْثا، فهو خَنِث، وتخنث، وانخنث: تثنى وتكسر.[1]
ولعل التعريف الاصطلاحي لا يختلف عن التعريف اللغوي، فقد جاء في الموسوعة الفقهية: ” الخنثى الذي خلق له فرج الرجل وفرج المرأة”[2] وكذلك إذا لم يكن له أي منهما[3]
ولقد فرقوا في الموسوعة بين الخنثى والمُخَنَّث، فعرفوا المخنث بمن فيه تكسر وتثني وتشبه حركاته حركات النساء خَلْقاً أو تَخَلُّقا. و بذلك يكون المخنث أعم من الخنثى.
و لعل الظاهر من سؤال الأخت الطبيبة أنها ليست معنية بالعيب العضوي بل تسأل عن العيب السلوكي و لكن قبل بيان حكم الشرع و حكمته، فلا بد من توضيح مستويات و
محددات الجنس، و هي:
أ- المستوى/المحدد الصبغي (الكروموسومي ) ( Chromosomal Sex )
وهذا يتحدد – بأمر الله سبحانه وتعالى – عندما يلقح حيوان منوي يحمل كروموسوم (Y) أو حيوان منوي يحمل كروموسوم (X) البييضة التي تحمل دائماً كروموسوم (X). فتكون البييضة الملقحة إما (X Y) أي جنيناً ذكراً أو (X X) أي جنيناً أنثى.
ب- المستوى/المحدد الغددي ( Gonadal Sex )
وهذا يتحدد – بإذن الله تعالى – في الأسبوع السادس والسابع من التلقيح. وهذه الغدد هي التي تفرز الهرمونات التي تتحكم في المستوى الأخير.
ج- مستوى/محدد الأعضاء التناسلية:
والأعضاء التناسلية ظاهرة وباطنة؛ والباطنة في الأنثى هي المبيضان والرحم وقناتا الرحم والمهبل، وأما الباطنة في الذكر فهي الحبل المنوي والحويصلة المنوية والبروستاتا. وتكون هذه الأعضاء غير متمايزة حتى الأسبوع التاسع، ثم يبدأ التمايز البطيء الخفي في الأسبوع التاسع، ثم يتضح وينجلي في الأسبوع الثاني عشر. ويسير خط نمو الأعضاء التناسلية الظاهرة والباطنة في
اتجاه الأنثى إلا إذا وجدت كمية من هرمون الذكورة التستوسترون ( Testosterone ) الذي تفرزه الخصية، منذ أن تتكون أي منذ نهاية الأسبوع السادس، والذي يحدد مسار الأعضاء التناسلية الظاهرة والباطنة، ولذا فإن إزالة الخصية من جنين ذكر، أو عدم تكونها يؤدي إلى وجود جهاز تناسلي أنثوي رغم أن جنس الجنين على مستوى الصبغيات ذكر (XY)، أما إزالة المبيض أو عدم تكونه فإنه لا يؤثر على سير الأعضاء التناسلية التي تسير في اتجاه الأنثى، بل إنه عند وجود كروموسوم ( X ) واحد فقط كما في حالات ترنر ( Turner Syndrome ) فإن الجهاز التناسلي الذي يتكون إنما يكون لأنثى. إذاً أساس الجهاز التناسلي الظاهر والباطن – عدا الغدة التناسلية – يتجه إلى الأنثى، فإذا وجدت الخصية أو هرمون التستوسترون فإن الجهاز التناسلي يتحول إلى أعضاء
ذكرية.
ملحوظة: البعض يقسم هذا المستوى إلى اثنين، أحدهما محدد الأعضاء الباطنة و الثاني محدد الأعضاء الظاهرة لوجود الاختلاف بينهما أحياناً.
د- المحدد التربوي السلوكي و يختص بالتنشئة و الميول.
و قبل الجواب ينبغي أيضاً لفت النظر إلى بعض الإشكالات في السؤال:
قالت السائلة – وفقها الله -:
“ان مرض اضطراب الهويه الجنسيه المذكور في كل مراجع الطب النفسي العربيه والعالميه هو مرض يولد به الانسان وكانوا يرجعون سببه الى البيئه او التربيه، لكن مع التقدم الطبي اتضح ان هناك ما يسمى بـ(( الخطوط الجندريه او الجنسيه بالمخ )) وهي المسئوله عن تعريف و شعور المخ بالجنس الذي ينتمي اليه وهو ما يسمى بالهويه الجنسيه، وقد توصل العلماء الى ان هذه الخطوط تكون مختلفه في هؤلاء المرضى بحيث يشعر الانسان منذ ولادته انه ينتمي للجنس المعاكس لجنسه التشريحي” ا.هـ.
و الحقيقة أن الكلام المذكور لا يثبت عند التمحيص العلمي، فإن محددات الجنس على خمسة مستويات كما ذكرنا و ليست المسألة مجرد أنسجة دماغية تحدد شعور الإنسان نحو جنسه، بل إن المتخصصين يدركون الأهمية البالغة للتنشئة. أما هذه الأنسجة فلا سبيل لإثبات ما يزعم من مسؤوليتها عن تحديد شعور الفرد نحو جنسه، و إن كان لها دور – فإنه يتعذر أيضاً إنكار ذلك بالكلية – فلا يعدو أن يكون مرضاً يمكن علاجه أو الصبر عليه شأن باقي الأمراض. إن أكثر ما يستدل به الباحثون في هذا الباب من المؤيدين لحقوق المثليين هي صور مغناطيسية وظيفية للمخ لا تثبت على وجه معقول تطمئن له النفس المزاعم التي يذهبون إليها، ويختلف المتخصصون في تفسيرها.
و قالت السائلة – وفقها الله -:
“وتعدد ظهور هذا المرض في واحد من التوائم المتماثله دون الاخر هو اثبات قطعي لا يقبل النقاش على ان هذا المرض يولد به الانسان وليس له ادنى علاقه بالبيئه او التربيه او هوى النفس او وساوس الشيطان كما يدعي الجاهلين. “
على العكس مما ذهبت إليه السائلة، فإن الاختلاف بين التوائم لمما يمكن أن يستدل به على كون الحالة ليست عضوية بل سلوكية فالأصل أنه كلما زاد التوافق بين التوائم ترجح العامل العضوي الوراثي (الجيني). أما كون هذا الاختلاف دليلاً على أن الأمر لا صلة له بوسوسة الشياطين فعجيب، فمن الذي قال أن الشيطان يوسوس للتوأمين معاً. إن الاختلافات السلوكية بين التوائم كثيرة و كبيرة و هذا أمر مشاهد و يعرفه المتخصصون.
و قالت السائلة – وفقها الله -:
“فهل يمكن ان يخلق الله بشرا ويخلق به غريزه جنسيه و يحرمه من ممارستها في الحلال، ويحلل ذلك لباقي البشر وحتى الحيوانات؟؟؟ وهو الرحمن الرحيم”
إن الله خلق البشر منذ آلاف السنين و عمليات التحويل لم تعرف إلا من عشرات السنين، فنحن نرد السؤال إلى السائلة و نسالها عن ملايين البشر الذين عاشوا و قضوا قبل ظهور هذه العمليات، هل أراد الله بهم العنت؟ و سوف نبين أن التحويل لا ينهي معاناة هؤلاء.
و قالت السائلة – وفقها الله -:
“ان من يقول ان المقصود بالآيه الكريمه ( ولآمرنهم فليغيرن خلق الله) هو عمليات تحويل الجنس!! لماذا لا يعتبرالحقن المجهري تغييرا لخلق الله ومشيئته( ويجعل من يشاء عقيما ) وايضا وسائل منع الحمل وزراعة الأعضاء و الأدويه التي تحتوي على هورمونات وغيرها الكثير”
و الجواب أن المحرم هو تغيير الخلقة السوية التي لا مرض فيها بغير إذن من الله، و ماذكرته الأخت إنما هو من باب التداوي و لا علاقة له بالتغيير و استعمال الهرمونات للتداوي جائز و يحرم إن كان لتغيير الخلقة بجعل الرجل المكتمل الذكورة مؤنثاً و العكس.
أما حكم عمليات التحويل، فلعل في جواب المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي ما يغني في بيان حكم الشارع في عمليات التحويل و التفريق في هذا الشأن بين الخنثى والمخنث، فإليك نصه:
” المجمع الفقهي الإسلامي – رقم القرار: 5رقم الدورة: 11
نص القرار:
بشــأن تحــويل الذكر إلى أنــثى وبالعكــس الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم. أمــا بعــد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، برابطة العالم الإسلامي…قد نظر في موضوع تحويل الذكر إلى أنثى، وبالعكس. وبعد البحث والمناقشة بين أعضائه قرر ما يلي: أولا: الذكر الذي كملت أعضاء ذكورته، والأنثى التي كملت أعضاء أنوثتها، لا يحل تحويل أحدهما إلي النوع الآخر، ومحاولة التحويل جريمة يستحق فاعلها العقوبة لأنه تغيير لخلق الله، وقد حرم سبحانه هذا التغيير، بقوله تعالى، مخبرا عن قول الشيطان : (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ) (النساء:119) فقد جاء في صحيح مسلم، عن ابن مسعود أنه قال: (لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله عز وجل، ثم قال: ألا ألعن من لعن رسول الله، وهو في كتاب الله -عز وجل- يعني قوله ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر:7) ثانيا: أما من اجتمع في
أعضائه علامات النساء والرجال، فينظر فيه إلى الغالب من حاله، فإن غلبت عليه الذكورة جاز علاجه طبياً بما يزيل الاشتباه في ذكورته، ومن غلبت عليه علامات الأنوثة، جاز علاجه طبيا، بما يزيل الاشتباه في أنوثته، سواء أكان العلاج بالجراحة، أم بالهرمونات، لأن هذا مرض، والعلاج يقصد به الشفاء منه، وليس تغييرا لخلق الله عز وجل. وصــلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسلمياً كثيرا والحمد لله رب العالمين.”
و يضاف إلى ما ذكر من حرمة تغيير خلق الله حرمة التشبه بالجنس الآخر، فقد لعن رسول الله – صلى الله عليه و سلم – : “الْمُتَشَبِّهَاتِ من النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ وَالْمُتَشَبِّهِينَ من الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ” و لعن “الرَّجُلَ يَلْبَسُ لُبْسَةَ الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لُبْسَةَ الرَّجُلِ” و لعن “الرَّجُلَةَ من النِّسَاءِ” و قد أمرنا الله بالرضا بما أعطانا فقال: “وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا” (النساء 32)
قد علمنا إذاً حرمة هذه العمليات و ليس ممن يعتد بقوله من علماء المسلمين أحد يجيزها إلا في الاستثناء المذكور في جواب المجمع.
و الحق الذي لا محيد عنه هو أن الحكمة من تحريم هذه العمليات ظاهرة للمتعقلين من أبناء الديانات و الحضارات المختلفة و ذلك لخطورة هذا السلوك على النسيج الاجتماعي و الأخلاقي للأمم، ومما هو معلوم أن تسويغ هذه الأفكار و السلوكيات يؤدي إلى انتشارها بين من كانوا بالأمس أسوياء. و هذه العمليات و إن رأى البعض فيها شيئاً من النفع فعاقبتها السوء وشرها أكبر بكثير من خيرها إن كان ثم، ثم إن التحويل لا يقضي على معاناة هؤلاء كما هو مشاهد في الشرق والغرب، و لا تكون لهم علاقات مستقرة مع شريك من الجنس الآخر (جنسهم قبل التحويل). و التحويل كذلك لا يجعل الرجل امرأة كاملة الأنوثة فهي تحمل و تضع و ترضع. أما الرجل – أو المرأة المحولة رجلاً – فإنها يستحيل أن تكون كاملة الرجولة كما يعرفه المتخصصون، و كلهم يكون بعد التحويل عقيماً.
و لقد نشرت ال “بي بي سي” في 1/8/2007 تقريراً ذكروا فيه أن الأطباء يقرون أن عمليات التحويل لم تدرس الدراسة الكافية ونتائجها غير معلومة و ذكر بعض المتخصصين أن دوافعها و مبرراتها غير مستندة إلى حقائق علمية و بالإضافة إلى ذلك، فإن الكثيرين ممن جرى لهم التحويل قد أعلنوا ندمهم على ما فعل بهم، و صرخ أحدهم – المدعو شارلز كين بعد أن حولوه إلى سام هاشيمي – “أعيدوني رجلاً”، و هيهات أن يعود أو تعود!
و الدفع بالعامل العضوي الذي يؤثر على الإحساس بالهوية الجنسية لا يغير من تلك الحقيقة شيئاً فإن وجود بعض العوامل العضوية أو النفسية لا يحل لهم فعل الحرام و لا يعفيهم من المسؤولية، فإن هذا من نوع الابتلاء الذي ينبغي عليهم أن يعالجوه ويصبروا عليه تماما كمن ابتلي بالشبق الجنسي و شدة الشهوة ولقد روى الإمام أحمد أنه جاء إلى رسول الله – صلى الله عليه و سلم – شاب يستأذنه في الزنا لشدة شهوته فقال “يا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لي بِالزِّنَا فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عليه فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا مَهْ مَهْ فقال أدنه فَدَنَا منه قَرِيباً قال فَجَلَسَ قال أَتُحِبُّهُ لأُمِّكَ قال لاَ والله جعلني الله فداءك قال وَلاَ الناس يُحِبُّونَهُ لأُمَّهَاتِهِمْ قال أَفَتُحِبُّهُ لاِبْنَتِكَ … قال فَوَضَعَ يَدَهُ عليه وقال اللهم اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ فلم يَكُنْ بَعْدُ ذلك الْفَتَى يَلْتَفِتُ إلى شيء.” و هذا الشاب ابتلي يالشهوة أكثر من غيره و بعض الناس يبتلى بشدة حب المال و لا يحل لهم ذلك السرقة…الخ بل إن نفس الصور المغناطيسية الوظيفية للدماغ التي يستدل بها البعض على وجود عامل عضوي يؤثر على الميول الجنسية قد أظهرت أن القتلة يختلفون عن غيرهم في رسم الدماغ الوظيفي، فهل يقول عاقل بإعفائهم من تبعات فعلهم؟
أما البدائل و النصائح لأصحاب تلك الحالات – عافاهم الله -، فلم يهملها أهل العلم و لكن ربما لم يصل السائلة جواب تطمئن إليه نفسها، فنذكر باختصار و في نقاط ما يظهر لنا:
1- إن الأفكار و الوساوس التي تعرض إلى هؤلاء ليسوا يحاسبون عليها ما لم تقدهم إلى قول أو عمل محرم، قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم -: “إِنَّ اللَّهَ عز وجل تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا ما لم تَعْمَلْ أو تَكَلَّمْ بِهِ” (متفق عليه). و هذا من عدل الله و كمال رحمته بعباده.
2- إن المنبغي لهؤلاء أن يدفعوا عنهم هذه الخواطر حتى لا تستقر في نفوسهم فتدفعهم في نهاية المطاف إلى عمل محرم أو تفسد عليهم معيشتهم، و للإمام ابن القيم كلام نفيس بهذا الصدد، فرأيت أن أنقله كاملاً للفائدة؛ قال – رحمه الله -: ” دافع الخطرة، فإن لم تفعل صارت فكرة، فدافع الفكرة، فإن لم تفعل صارت شهوة، فحاربها، فإن لم تفعل صارت عزيمة وهمة، فإن لم تدافعها صارت فعلاً، فإن لم تتداركه بضده صار عادة، فيصعب عليك الانتقال عنها. فانظر ما هو أول الإدمان: هو تلك الخاطرة التي تجول ولم تستقر في العقل، فإذا بالإنسان يردد نظره فيها، ويعمل فكره فيها، ويجيء بها ويذهب، فإذا بها تنتقل من خطرة إلى فكرة تعشعش في العقل وترسخ فيه، ثم إذا به يعمل عقله في تلطف الأسباب الموصلة إليها، وفي تخيل اللذة الحاصلة منها، فإذا بها تختلط بقلبه، فإذا بها شهوة قد أنست النفس إليها، ومال القلب إليها، وإذا بها بعد ذلك تصبح همة وعزيمة قد تهيجت مشاعره لها، وتحركت نفسه لفعلها، بل ربما قد شغلت عليه فكره كله؛ فلم يعد يسمع إلا ما يوصله إليها، ولا يرى إلا ما يربطه بها، ولا يتذوق إلا ما يعينه عليها، وعند ذلك في هذه اللحظات يحتاج إلى قوة حاسمة وإلى ردع قوي، وإلا فإنه يقع في الفعل، يعني: يقع في المعصية، قال: فتداركها بضدها؛ بالحسنات والاستغفار والتوبة، فإن لم تفعل صارت عادة يصعب عليك الانتقال عنها. ولينظر كل واحد إلى ما وقع فيه من المعاصي، فإنه سيجد أنها كانت على مثل هذا التسلسل، فالفطن اللقن والحريص المؤمن هو الذي يقطع الطريق من أولها؛ فلا يسمح للخواطر الرديئة ولا للأفكار الدنيئة أن تخالط عقله، ولا يشغل بها فكره.”
3- إن الذي يدافع هذه الخواطر و يصبر على هذا البلاء مأجور عند ربه، و للصبر من الفضيلة ما يعرفه كل مسلم.
4- ينصح هؤلاء بإشغال نفوسهم بالحق من عبادة و عمل و مذاكرة و ترفيه مباح كأنواع الرياضات المباحة و غيرها.
5- ينبغي لهم مصاحبة الصالحين فالمرء على دين خليله و الصاحب ساحب، و كذلك عليهم بارتياد المساجد، فهي بيوت الله المطهرة المرفوعة لذكره.
6- ينصحون بعلاج أنفسهم طبياً – إذا نصح بذلك الطبيب الثقة – بأخذ الهرمونات التي تثبت جنسهم الحقيقي.
7- و أهم النصائح أن ينطرحوا في ضراعة بين أيدي مولاهم يسألونه الصبر والهداية، فهو على كل شيء قدير و بالإجابة جدير و هو نعم المولى و نعم النصير.
و الله تعالى أعلى و أعلم
[1] لسان العرب: 2/145
[2] الموسوعة الفقهية: 36/264 – 265
[3] المغني: 6/221