ما حكم استخدام الهياكل العظمية للآدميين الغالب عليهم أنهم من المسلمين؟ وما حكم بيعها وشرائها وتأجيرها لغرض التعلم ؟ وإن كان الجواب بالجواز فما الواجب اتجاه هذا الهيكل المستعمل هل يصلى عليه بافتراض أنه غالباً لمسلم إذ معظم الشعب مسلم؟ وإن كان الجواب بالمنع فما الواجب اتجاه من كان عنده هيكل هل يدفنه أم ماذا يفعل به؟
التوضيح : يتم الحصول على عظام الموتى بطريقين :-
الأول: من خلال تشريح جثث الموتى الذين أصيبوا في حوادث ولم يتعرف عليهم أهلهم في فترة تتراوح ما بين الثلاثة إلى الخمسة أشهر ، فيتم تشريحهم وأخذ عظامهم للتعلم عليها؟
الثاني : إخراج العظام من القبور بعد تحلل الجسم.
ولكي يحصل الطالب على هذه الهياكل فإنه إما أن يشتريها أو يؤجرها مدة دراسته ثم يعيدها مرة أخرى لمن استأجرها منه ، والبعض لايرى جواز بيعها وشرائها فيقوم بعمل تطوعي ألا وهو شراء مجموعة من الهياكل وتأجيرها للطلاب مع صرف الأموال التي يحصل عليها صدقة لهذا الميت.
مع العلم بوجود هياكل عظمية أخرى صناعية ولكنها أقل كفاءة بكثير عن الحقيقية وكذلك أغلى ثمناً، والغالب أنها لا تفي بالهدف المقصود.
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله. أما بعد،
اختلف أهل العلم في تشريح الموتى، ولقد ذهب إلى المنع من ذلك بعض العلماء ومنهم الشيخ محمد نجيب المطيعي مفتي الديار المصرية سابقاً . وذهب إلى الجواز الجمهور من أهل العلم وقررت الجواز المجامع الفقهية والهيئات العلمية ومنها: لجنة الفتوى بالأزهر وهيئة كبار العلماء بالسعودية ومجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة .
ولعل من أقوى ما استدل به المانع قوله – صلى الله عليه وسلم -: ” كسر عظم الميت ككسره حياً “
واستدلوا بأن التشريح من شأنه أن يؤذي أقارب الميت الأحياء كذلك، وهو وجيه فإن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال:”لا تسُبّوا الأموات فتؤذوا الأحياء”
أما المبيحون فقد استدلوا بالمتقرر في علم الأصول وفي القواعد الفقهية من أن الضرورات تبيح المحظورات. ثم إن تشريح الميت للتعليم ليس كالتمثيل به للعبث.
ونحن هنا أمام مفسدتين: الأولى: ترك علم التشريح بما يعنيه ذلك من تخلف في علوم الطب المؤسسة على علم التشريح سيما الجراحة الطبية، وهذا بدوره يؤدي إلى فساد في الأنفس والأبدان فإنه لا يخفى ما حققه التقدم في علم الجراحة من نفع للبشرية وإنقاذ لأرواح كثير من المرضى بإذن الله تعالى.
والمفسدة الثانية هي: تشريح جثث الموتى بما فيه من انتهاك حرمتهم و إيذاء أهلهم، ولقد رأى المبيحون أن هذه المفسدة دون المفسدة الأولى.
والذي يترجح هو قول الجمهور؛ وذلك لأن الشريعة مبنية على جلب المصالح ودفع المفاسد، قال العز بن عبد السلام – رحمه الله -: ” إذا تعارضت مصلحتان قدم أقواهما، وإذا تعارضت مفسدتان ارتُكِب أخفهما تفادياً لأشدهما “
ومن أجل ذلك أباح الجمهور شق بطن الميتة لاستخراج الجنين الذي يغلب على الظن أنه حي.
و إليكم قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع للرابطة بمكة: “رقم القرار: 1 رقم الدورة: 10 العنوان بشـــأن موضـــوع (تشريح جثث المــوتى )
تمهيد: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، برابطة العالم الإسلامي، في دورته العاشرة المنعقدة في مكة المكرمة، في الفترة من يوم السبت 24صفر 1408هـ الموافق 17 أكتوبر 1987م إلى يوم الأربعاء 28 صفر 1408هـ الموافق 21 أكتوبر 1987م قد نظر في موضوع (تشريح جثث الموتى). وبعد مناقشته، وتداول الرأي فيه، أصدر القرار الآتي:
القرار: بناء على الضرورات التي دعت إلى تشريح جثث الموتى، والتي يصير بها التشريح مصلحة، تربو على مفسدة انتهاك كرامة الإنسان الميت. قرر مجلس المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي ما يأتي:
أولا: يجوز تشريح جثث الموتى، لأحد الأغراض الآتية:
( أ ) التحقيق في دعوى جنائية، لمعرفة أسباب الموت، أو الجريمة المرتكبة، وذلك عندما يُشْكل على القاضي معرفة أسباب الوفاة، ويتبين أن التشريح هو السبيل لمعرفة هذه الأسباب.
(ب) التحقق من الأمراض التي تستدعي التشريح، ليتخذ على ضوئه الاحتياطات الواقية، والعلاجات المناسبة لتلك الأمراض.
(ج) تعليم الطب وتعلمه، كما هو الحال في كليات الطب.
ثانيا: في التشريح لغرض التعليم تراعى القيود التالية:
(أ) إذا كانت الجثة لشخص معلوم، يشترط أن يكون قد أذن هو قبل موته بتشريح جثته، أو أن يأذن بذلك ورثته بعد موته، ولا ينبغي تشريح جثة معصوم الدم إلا عند الضرورة.
(ب) يجب أن يقتصر في التشريح على قدر الضرورة، كيلا يعبث بجثث الموتى.
(ج) جثث النساء لايجوز أن يتولى تشريحها غير الطبيبات، إلا إذا لم يوجدن. ثالثا: يجب في جميع الأحوال دفن جميع أجزاء الجثة المشرحة.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، والحمد لله رب العالمين.”
أقول: و ما ينطبق على التشريح ينطبق على عظام الموتى و إن كان الأمر أيسر في حال العظام على الأقل في مسألة انكشاف العورة فليس هنا عورة.
أما الصلاة فلا تلزمكم فإنه في الأغلب قد صلى عليه أهله. أما إن علمتم أن ميتاً قد أصيب في حادث مثلاً و لم يتعرف عليه و لم يصلى عليه فصلوا أنتم عليه.
و أنصح لكم بأن تجربوا استعمال الهياكل الصناعية متى كانت تفي بالغرض و إلا فلا بأس باستعمال الهياكل البشرية شريطة التعامل معها بالتوقير وعدم العبث بها ودفنها متى انتهت الحاجة إليها واستحضار هيبة الموت حال مباشرتها.
أما بيعها، فلا يجوز لأنه ليس لأحد عليها ملك صحيح. وشراؤها كذلك إلا أنه يباح عند الحاجة و تعذر الحصول عليها بغير الشراء.
والله تعالى أعلم وبه التوفيق.