ما كنت لأكتب في هذا الشأن لو كان من هاجم الدكتور زويل رجلاً من أغمار الناس أو حتى من الأعضاء الخاملين بمجلس الشعب، ولكن لما كان الهجوم من قبل الأستاذ ممدوح إسماعيل، وهو من رموز الإسلاميين، كان التعقيب مهمًا، نصحًا لله ورسوله، فإلم يصل إليه، فلعل الله أن ينفع به بعض القراء.
شاهدت تسجيلاً للأستاذ ممدوح يحمل فيه على أحمد زويل ويتهمه بالتطبيع مع إسرائيل، بل ويستنكر فيه سماح مجلس الشعب له بدخوله. وكما آلم سيادة النائب أن يدخل أحمد زويل مجلس الشعب المصري، فقد آلمني أن يهاجمه سيادته بهذه الطريقة. وذلك لأنه وإن كان من جملة البشر الخطائين، فهو بلا شك أيضًا رمز وطني، يقدره كثير من أبناء الوطن لما حققه من إنجازات علمية.
- إنه المصري الوحيد، بل العربي الوحيد، الذي يحصل على جائزة نوبل في العلوم، لذا يتخذه الآلاف من الطلبة النابهين قدوة لهم على طريق البحث العلمي، فهو يطمئنهم إلى أن العقل العربي ما زال قادرًا على أقصى درجات الإبداع العلمي متى تهيأت له الأسباب.
- إنه من جاهد النظام البائد من أجل إحداث نهضة علمية بمصر، ثم ساند ثورة الخامس والعشرين، وكان له إسهام بارز في إنجاحها، على الأقل بالدعم المعنوي للشباب وبتوضيح حقيقة الصورة لدى صانع القرار الأمريكي.
- إنه أيضًا من اتهمه أحد العلمانيين قديمًا بعدم تجاوز عقدة الماورائيات رغم نبوغه العلمي، لما زار مصر بعد حصوله على جائزة نوبل، وكان حريصًا على زيارة مسجد محلته القديم، وعبر عن ذكرياته فيه وأشواقه إليه.
أما زيارته لإسرائيل، فلم لا نعدها من خطاياه ونغفرها له لما هو معلوم من خصوصية العلاقة بين أمريكا وإسرائيل، وعلى الأخص المجتمع العلمي والأكاديمي في البلدين. إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قد غفر لحاطب بن أبي بلتعة – رضي الله عنه – ما هو أعظم من ذلك إذ كتب إلى قريش يخبرهم بمسير النبي إليهم. وإنما كانت البدرية قرينة على أنه لم يقصد خيانة الله ورسوله، لا أنها مانعة من جريان أحكام الشرع.
ثم إنك إن لم تغفر له تلك الزيارة، وتلتمس له الأعذار، وتحمله على أحسن المحامل، وتقول لا تثريب عليك اليوم، فلعلك توفر هجومك الآن تحديدًا، وذلك لأسباب كثيرة، منها:
- حساسية المرحلة التي تمر بها البلاد ودقة المشهد، فلعل تجنب المعارك الجانبية في هذا الوقت مفيد ومهم، وليدخر المتحمسون حماسهم لمهاجمة الظلمة والطغاة، فهؤلاء أولى بذلك من المخالفين في الفكر والسياسة، ومن العصاة والخطائين أمثالنا من غير عتو ولا تجبر.
- إنه لا يخفى أن عموم المصريين يحبون الرجل ويتعاطفون معه ويقدرون دوره، فلم نخسر تعاطفهم بهجومنا عليه، سيما وقد سئم الناس من الصراخ في هذه الأيام.
- إن هجوم أحد الإسلاميين عليه، وهو رمز للتفوق العلمي، قد يشعر بأن الإسلاميين لا يقيمون للعلم وزنًا.
- إن هجوم أحد الإسلاميين عليه، وهو رمز عاقل لليبراليين، يقطع التواصل مع عقلاء الخصوم السياسيين، فإن قطعناه مع هؤلاء، فمع من نتواصل؟
- إن الرجل يرجى منه أن يسهم في صناعة نهضة علمية حقيقية بمصر، والبلد بأشد الحاجة إلى ذلك، فلم ننفره؟
ربما يجاب على ما سبق بأننا كما ينبغي أن نقر بأن المشايخ لا قدسية لهم، فينبغي أيضًا ألا نُلزَم بتقديس غيرهم من وجوه المجتمع، حتى لا يصيروا فوق الطعن، ومن ثم ينقاد الناس إليهم كالعجماوات. وهذا وجيه، ولم أقل بأننا ينبغي أن نسكت عن التناصح وبيان الأخطاء، ولكن اللغة المستعملة هي التي ينبغي من مراجعتها. لعل الأستاذ ممدوح يكتب في مقال أو يذكر في برنامج أنه يحزنه أن رجلاً بقامة الدكتور زويل قد زار إسرائيل. إن هذا التلطف في العتاب سيوافقه عليه أكثر السامعين، ويحصل به المطلوب من بيان الخطأ، وربما أشعر المعاتَب بالندم.
لعل واجب المرحلة هو صناعة الأحلاف وتمتينها، فإن انقسام المجتمع إلى نصفين يخاصم كل منهما الآخر وليس بينهما حلقات وصل لن يصل بنا إلا إلى المواجهة. هناك كثير من الظلمة الذين لا نستطيع أن نمد أيدينا إليهم، وكثير من المتطرفين في خصومتهم للمشروع الإسلامي الذين لن يصافحوا أيدينا الممدودة، فلم يبق إلا العاقلون من أصحاب الأيديولوجيات والرؤى الأخرى لتتشابك أيدينا بأيديهم، فنصنع وإياهم تلك الحلقات التي تحافظ على ما بقي من لحمة المجتمع وتواصل مكوناته.
اللهم أصلح ذات بيننا
د. حاتم الحاج