لا شك أن المرء ينبغي أن يرجو الخير للناس كلهم. ومن ثم، فإن كان صاحب قناعة يعتقد أنها توصل إلى الفلاح في الدنيا والآخرة، فلا جرم سيحب أن يشاركوه فيها جميعًا. ولكن الله قد أخبرنا أن ذلك لن يكون، فقال “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ…” [هود: 18] فإذا علم أن الاختلاف واقع، فهل ينبغي أن يؤدي كل خلاف إلى خصومة، وهل ينبغي أن تتحول كل خصومة في مسألة أو مسائل إلى خصومة مطلقة، وهل ينبغي أن تتحول كل خصومة إلى عداوة؟ الحق أن العاقل لا ينبغي أن يُرى ساعيًا إلا في عكس ذلك الاتجاه.
ومن هذا المنطلق، فلو كان قدرًا أن تكون هناك خصومة بين الإسلاميين والليبراليين في الرؤى والقناعات، فالسؤال هو هل الليبراليون شيء واحد؟ أولا يجري عليهم قول الله تعالى: “لَيْسُوا سَوَاءً” (والمقصود من ذكر الآية نفي التنميط لا تشبيههم بأهل الكتاب.)
إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قد استبشر في الحديبية بإرسال قريش سهيلا للتفاوض معه وقال: “قد أرادَ القَومُ الصُّلحَ حين بَعَثوا هَذا الرَّجُل” بل قال كذلك: “لَقد سُهِّل لكم أمْرُكُم” وذلك لما عرف عن سهيل من عقل وحلم، وقد كان – صلى الله عليه وسلم – يعرف الجميل لأصحاب الأخلاق من خصومه، حتى أنه قال عن أسارى بدر: “لو كان الْمُطْعِمُ بن عَدِيٍّ حَيًّا ثُمَّ كَلَّمَنِي في هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ له.” [البخاري] وذلك لأن مطعمًا أجاره عند عودته من الطائف.
أرجو ألا يفهم من كلامي أنني أريد تشبيه الليبراليين بكفار قريش، فلست ممن يتجاسر على مثل هذا، ولكن المعلم الأول – صلى الله عليه وسلم – لم يكن له خصوم من المسلمين حتى نتعلم منه كيف نتعامل معهم، فإنما نعذر من يخالف أمره في أيامنا هذه بالجهل أو التأويل، أما العمد إلى رد شرعه، فلا يبقى من إسلام المرء معه شيء.
إنه إن كانت الخصومة السياسية والفكرية لا مفر منها في أمة من الأمم، وكان لا طموح للمرء، إذ أيس من عدم الخصوم، إلا أن يتمنى أن يكون أكثر نصيبه منهم من العقلاء، فأنا أعتقد أن عمرو حمزاوي – فيما يظهر إلى الآن – هو أنموذج لذاك الخصم الذي ينبغي أن يرضى به الإسلاميون، وذلك لأنه غير إقصائي، وعنده قدر من التسامح مع المخالف، وعنده كذلك من الأدب ما يجعل الحوار معه ممكنًا، ومن العقل ما يجعله أيضًا مثمرًا، ومن الكفاءات ما يجعل مثله ممن يصطنع، فلعله في إطار دولة مؤسسات، يتحرك فيها الفرد المسؤول بقناعة المجموع، يكون أقدر على الدفاع عن مصالحنا أمام الغربيين لصلاته بهم وحسن إدراكه لثقافتهم وطباعهم، أو على أقل تقدير ينتفع من السماع إليه فيما هو به خبير.
إن من خصوم الإسلاميين السياسيين من الليبراليين واليساريين وغيرهم من هم إقصائيون، وتحديدًا من لا هم لهم إلا إقصاء الإسلاميين “وليأت من بعدهم الطوفان”، ومنهم بلاطجة (أو بلطجية) لكن يحسنون القراءة والكتابة، فالحوار معهم تعرض للفحش والجهالة. ومنهم انتهازيون، لا معايير عندهم إلا ما يحققون بها رغباتهم، وليست لهم مرجعية فكرية أو أخلاقية ترد إليها ممارساتهم، أو يلزمون بلوازمها في حوار، إلا ما أشربوا من هواهم. ففي ظل أجواء كتلك، ألا يستبشر المرء بخصم على درجة من الأدب والعقل لا يريد إقصاءه (بل دافع دومًا عن حق الإسلاميين في المشاركة السياسية)، وله مرجعية ثابتة (في أصلها) يرد إليها، وإن كانت مخالفة لنا (انظر كمثال رفضه للتعيينات بمجلس الشعب، رغم أنه ينتظر منها دعم الليبراليين داخله.)
إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أيضًا كان يرجو للعقلاء من خصومه، بل ويرجو منهم، ما لم يرج من غيرهم، فعندما قال له عمر – رضي الله عنه –: “دعني أنزع ثنيتي سهيل بن عمرو فلا يقوم خطيبا في قومه أبدًا” قال – صلى الله عليه وسلم – “دعه فلعله أن يسرك يوما” فلما مات النبي – صلى الله عليه وسلم – ونفر أهل مكة، قام سهيل عند الكعبة فقال: “من كان محمد – صلى الله عليه وسلم – إلهه فإن محمدًا قد مات، والله حي لا يموت.”
إنما كتبت هذه الأسطر نصحًا لديني وأمتي، مع كوني لا أعرف عمرو حمزاوي إلا من خلال الشاشات، ولا يعرفني، ولكن أردت أن أحذر من المغامرة باستعداء من تضر عداوته وقد يفيد تألفه، وأن أدعو نفسي وإخواني إلى الإنصاف، وألا نسمح لهيئة ظاهرة أو إشاعات مرسلة أن تقطع ما بيننا وبين الناس من تواصل، بل ولا حتى المسالك المعيبة، إن كانت مصلحة التألف ظاهرة وكذلك مفسدة الاستعداء.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه والحمد لله رب العالمين
عمرو حمزاوي .. خصم مطلوب!
Date: مايو 6, 2012
|
|
Views: 898
|
Share:
Filed Under: قضايا معاصرة