لا شك أنه حق لكل مصري وكل محب لمصر أن يفرح بفوز شعبنا على كل التخرصات بأن يوم الانتخابات سيكون عنيفًا دمويًا، فهنيئًا لهذا الشعب العريق الكريم بانتصاره على عقود من القهر والتجهيل والقمع والتضليل. ولا شك أيضًا أن للإسلاميين على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم أن يفرحوا، بعد صبر طويل، باليوم الذي رأوا فيه فضل الله على الأمة، بأن أينعت ثمار الصحوة. لكن هذه الفرحة، وإن كانت بفضل الله ورحمته، فما زالت من أحوال الدنيا التي جبلت على كدر، فيا ترى ما كدرها؟
إن عاقلاً لا يستطيع ألا يقلق مما تحمله الأيام والسنون القادمة. إن هذا من لوازم الأخذ بالأسباب والتعاطي معها، ولا يتنافى مع اليقين بقدرة الله وتمام التوكل عليه. ألا ترى أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يخاف على دعوته وأتباعه وهو المؤيد بوحي السماء. بل يحكي لنا عمر – رضي الله عنه – أنه لما كان يوم بدر نظر – صلى الله عليه وسلم – إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاث مائة وتسعة عشر رجلا، فاستقبل القبلة ثم مد يديه، فجعل يهتف بربه “اللَّهُم أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسلام لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْض…” [مسلم] إن الذي يدعو هنا دعاء المضطر هو نفسه الذي وعد سراقة من قبل هذا بسواري كسرى، وأخبر خبابًا أن الله سيتم أمره، ولكنه يأبى إلا أن يستجيب للواقع الذي يعيشه مع أصحابه في أرض المعركة، فينفعل به ويتفاعل معه.
وإننا إذا عدنا إلى أسباب القلق، سنجدها كثيرة: إن هناك تربصًا عالميًا بالإسلاميين الصاعدين إلى الحكم في عدة بلدان في أكثر مناطق العالم حساسية وخطورة وسخونة. ولو كان ذلك كل ما يقلق لهان الأمر، ولكن الخطر الأكبر هو ما كان من الداخل لا الخارج. إن الشعوب التي صوتت للإسلاميين اليوم ليست كلها على قلب رجل واحد، فمنهم من لا يصبر على أدنى ابتلاء، ومنهم من “يجرب الإسلاميين بعد أن فشل الآخرون”، ومنهم من يتوقع أن يحل الرخاء وتخرج الأرض كنوزها وتنتهي مشاكل البلاد المعقدة بمجرد أن يتولى الإسلاميون حكمها أو بعيد ذلك بقليل. والخطر الآخر هو انحياز قطاع واسع من النخب ضد التيار الإسلامي، بل والطرح الإسلامي ذاته، والبلاد تحتاج إلى قدر من اللحمة والتوافق من أجل أن يتمكن أي أحد من الإبحار بسفينتها إلى مياه آمنة. فإذا حل الشقاق مكان الوفاق بين الساعين إلى نهضتها، فلا تسأل عما ينتظر الجميع من المحن. إن البلاد إذا تناحر أهلها — مثل الزجاجة كسرها لا يجبر.
أنفرح إذًا أم نغتم؟ بل نفرح، ولكنه فرح من غير أشر ولا بطر، فرح المنكسرين الراجين رحمة ربهم، والمدركين لخطر المسؤولية؛ فرح مخلوط بالخشية من الفشل، حتى يكون الأمران معًا دافعين إلى التواضع وحسن التفكير والتدبير والمسارعة إلى العمل الجاد الرصين. لعل الطريق يبدأ من تجديد الإخلاص في القلوب، وحسن التواصل مع الشركاء والفرقاء، والبداءة في كل شيء بمراجعة الخبراء، والأناة الأناة حتى لا تزل الأقدام، وحتى لا يكون هذا النصر الآتي بعد طول انتظار “حلاوة روح”.
اللهم لطفك – وصلى الله وسلم على خير البرية
أنفرح بالفوز؟
Date: مايو 6, 2012
|
|
Views: 1٬043
|
Share:
Filed Under: قضايا معاصرة